للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبِي شَيخٌ كَبِيرٌ عَلَيهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ

ــ

بيَّنَتُه في الرواية الأخرى بقولها: (لا يستطيع أن يستويَ على ظهر بعيره. فبمجموع الروايتين يحصل: أنه لا يقدر على الاستواء على الراحلة، ولو استوى لم يثبت عليها.

وقولها: (أدركت أبي)، وفي الرواية الأخرى: (عليه فريضة الله في الحج)؛ ظاهرٌ في أن من لم يستطع الحج بنفسه أنه يخاطب به. وبهذا الظاهر أخذ الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة، والجمهور على تفصيل لهم يأتي إن شاء الله تعالى. وخالفهم في ذلك مالك وأصحابه، ورأوا: أن هذا الظاهر مخالف لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلا} فإن الأصل في الاستطاعة إنما هي القوة بالبدن. ومنه قوله تعالى: {فَمَا اسطَاعُوا أَن يَظهَرُوهُ وَمَا استَطَاعُوا لَهُ نَقبًا}؛ أي: ما قدروا، ولا قووا. وبالجملة: فإذا قال القائل: فلان مستطيع، أو غير مستطيع. فالظاهر منه السابق إلى الفهم: نفي القدرة أو إثباتها، فلما عارض ظاهر الحديث ظاهر القرآن رجح مالك رحمه الله ظاهر القرآن. وهو مرجح بلا شك من أوجه: منها: أنه مقطوع بتواتره. ومنها: أن هذا القول إنما هو قول المرأة على ما ظنت. ثم إنه يحتمل أن يكون معنى: (أدركت أبي): أن الحج فرض وأبوها حي على تلك الحالة الموصوفة.

قلت: وهذا التأويل، وإن قبله قولها: (أدركت). فلا يقبله قولها في الرواية الأخرى: (عليه فريضة الحج). لكن هذا كله منها ظن وحسبان، ولا حجة في شيء من ذلك، فإنها ظنت الأمر على خلاف ما هو عليه. ولا يقال: فقد أجابها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سؤالها، ولو كان سؤالها غلطًا لما أجابها عليه، ولبينه لها، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز، لأنا نقول: إنه لم يُجبها على هذا القول، بل على قولها: (أفأحج عنه؟ ) فقال لها: (نعم). أو: (فحجي عنه) على اختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>