للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ: المَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ،

ــ

يقال: ما بين لابتيها أجهل من فلان؛ أي: ما بين طرفيها - يعني المدينة.

وهذا الحديث نصٌّ في تحريم صيد المدينة وقطع شجرها، وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة وأصحابه في إباحة ذلك، وإنكارهم على من قال بتحريم المدينة بناء منهم على أصلهم في ردِّهم أخبار الآحاد فيما تعم به البلوى، وقد تكلَّمنا معهم في هذا الأصل في باب أحداث الوضوء، ولو سلم لهم ذلك جدلًا فتحريم المدينة قد انتشر عند أهل المدينة والمحدِّثين وناقلي الأخبار حتى صار ذلك معلومًا عندهم بحيث لا يشكون فيه، والذي قصَّر بأبي حنيفة وأصحابه في ذلك قلَّة اشتغالهم بالحديث ونقل الأخبار، وإلا فما الفرق بين الأحاديث الشاهدة بتحريم مكة وبين الشاهدة بتحريم المدينة في الشهرة، ولو بحثوا عنها وأمعنوا فيه حصل لهم منها مثل الحاصل لهم من أحاديث مكة.

والجمهور على أن صيدها لا جزاء فيه؛ لعدم النص في ذلك، ولم يتحققوا جامعًا بين الصَّيدين فلم يُلحقوه به، وقد قال بوجوب الجزاء فيه ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى وابن نافع من أصحابنا، واختلف قول الشافعي في ذلك. فأما الشجر: فيحرم قطعه منها أيضًا، وهو محمول على مثل ما حمل عليه شجر مكة، وهو ما لم يُعالج إنباتَه الآدمي، ويدل على صحة ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع نخل المسجد (١)، وقد ذكر ابن نافع عن مالك أنه قال: إنما نهي عن قطع شجر المدينة لئلا تتوحش وليبقى فيها شجرها؛ ليستأنس ويستظل به مَن هاجر إليها.

قلت: وعلى هذا فلا يُقطع منها نخل ولا غيره، وحينئذ تزول خصوصية ذكر العضاه وهو شجر البادية الذي ينبت لا بصنع آدمي، والأول أولى، والله تعالى أعلم.

وقوله والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون؛ يعني: للمرتحلين عنها إلى


(١) رواه البخاري (٤٢٨)، ومسلم (٥٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>