للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَلَا إِنَّ المَدِينَةَ كَالكِيرِ تُخرِجُ الخَبِيثَ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنفِيَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ.

رواه أحمد (٢/ ٤٣٩)، ومسلم (١٣٨١).

[١٢٣٥] وعنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أُمِرتُ بِقَريَةٍ تَأكُلُ القُرَى،

ــ

الذي يخرج من المدينة راغبًا عنها - أي زاهدًا فيها - إنما هو إما جاهل بفضلها وفضل المقام فيها أو كافر بذلك، وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين خير منه وأفضل على كل حال، وقد قضى الله تعالى بأن مكة والمدينة لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدِّين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهم الخلف ممن خرج رغبة عنها.

وقوله إن المدينة كالكير تُخرِج الخبث، هذا تشبيه واقع؛ لأن الكيرَ لشدَّة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرَّماد، حتى لا يبقى إلا خالصُ الجمر والنار، هذا إن أراد بالكير النفخ الذي تنفخ به النار، وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند أهل اللغة فيكون معناه أن ذلك الموضع لشدَّة حرارته ينزعُ خبث الحديد والذهب والفضة، ويخرج خلاصة ذلك، والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفس من شهواتها وشرهها وميلها إلى اللذات والمستحسنات، فتتزكى النفس عن أدرانها وتبقى خلاصتُها، فيظهر سرُّ جوهرها وتعم بركاتها، ولذلك قال في الرواية الأخرى تنفي خبثها وينصع طيبها.

وقوله أمرت بقرية تأكل القُرى؛ أي بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة، أو بسُكناها إن كان قاله بالمدينة، وأكلُها للقرى هو أن منها افتتحت جميعُ القُرى،

<<  <  ج: ص:  >  >>