لم يرد به ظاهره؛ لأن عليًّا رضي الله عنه منزه عن ذلك كله، مبرأ عنه قطعًا، ولو أراد ظاهره لكان محرَّمًا، ولاستحال على عمر، وعثمان، وعبد الرحمن، والزبير، وسعد، وهم المشهود لهم بالقيام بالحق وعدم المبالاة بمن يخالفهم فيه، فكيف يجوز عليهم الإقرار على المنكر؟ ! هذا ما لا يصح؛ وإنما هذا قول أخرجه من العبَّاس الغضب، وصولة سلطنة العمومة، فإن العم صنو الأب، ولا شكّ أن الأب إذا أطلق هذه الألفاظ على ولده؛ إنما يحمل ذلك منه على أنه قصد الإغلاظ، والرَّدع مبالغة في تأديبه، لا أنَّه موصوف بتلك الأمور، ثم انضاف إلى هذا: أنهم في محاجّة ولاية دينية، فكأن العباس يعتقد: أن مخالفته فيها لا تجوز، وأن المخالفة فيها تؤدي إلى أن يَتصف المخالف بتلك الأمور، فأطلقها ببوادر الغضب على هذه الأوجه، ولما علم الحاضرون ذلك لم ينكروه. والله تعالى أعلم.
وهذا التأويل أشبه ما ذكر في ذلك، وإلا فتَطريق الغلط لبعض النقلة لهذه القضية فيه بُعد لحفظهم، وشهرتهم، والذي اضطرنا إلى تقدير أحد الأمرين ما نعلمه من أحوال تلك الجماعة، ومن عظيم منازلهم في الدِّين، والورع، والفضل. كيف لا، وهم من هم رضي الله عنهم، وحشرنا في زمرتهم.
و(أجل) بمعنى: نعم. و (اتَّئدوا) بمعنى: تثبتوا، وارفقوا.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نورث، ما تركنا صدقة)؛ جميع الرواة لهذه اللفظة في الصحيحين وفي غيرهما يقولون:(لا نورث) - بالنون -، وهي نون جماعة الأنبياء، كما قال:(نحن معاشر الأنبياء لا نورث)(١).