والوجه الثاني: أن عليًّا لما ولي الخلافة لم يغيرها عما عُمل فيها في عهد أبي بكر، وعمر، وعثمان، ولم يتعرض لتملكها، ولا لقسمة شيء منها، بل كان يصرفها في الوجوه التي كان من قبله يصرفها فيها، ثم كانت بيد حسن بن علي، ثم بيد حسين بن علي، ثم بيد علي بن الحسين، ثم بيد الحسين بن الحسن، ثم بيد زيد بن الحسن، ثم بيد عبد الله بن الحسن، ثم تولاها بنو العباس على ما ذكره أبو بكر البرقاني في صحيحه. وهؤلاء كبراء أهل البيت رضي الله عنهم، وهم معتمد الشيعة وأئمتهم، لم يُرو عن واحد منهم: أنه تملكها، ولا ورثها، ولا ورثت عنه، فلو كان ما يقوله الشيعة حقًّا لأخذها علي، أو أحدٌ من أهل بيته لما ظفروا بها، ولَم فلا.
والوجه الثالث: اعتراف علي والعبَّاس بصحة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا نورث، ما تركنا صدقة)، وبعلم ذلك حين سألهما عن علم ذلك، ثم إنهما أذعنا، وسلَّما، ولم يبديا - ولا أحد منهما - في ذلك اعتراضًا، ولا مدفعًا، ولا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول: إنهما اتقيا (١) على أنفسهما، لما يعلم من صلابتهما في الدين، وقوتهما فيه، ولما يعلم من عدل عمر، وأيضًا: فإن المحل محل مناظرة، ومباحثة عن حكم مال من الأموال، ليس فيه ما يفضي إلى شيء مما يقوله أهل الهذيان من الشيعة. ثم الذي يقطع دابر العناد ما ذكرناه من تمكن علي وأهل بيته من الميراث، ولم يأخذوه، كما قلناه.
والوجه الرابع: نصّ قول عمر لهما، وحكايته عنهما في آخر الحديث، حيث قال لهما: (ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتم: ادفعها