وحاصل هذه الحكاية: أن الخلفاء رضي الله عنهم علموا وتحققوا صحَّة قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا نورث، ما تركنا صدقة)، وعملوا على ذلك إلى أن انقرضت أزمانهم الكريمة بلا خلاف في ذلك.
فأما طلب فاطمة ميراثها من أبيها من أبي بكر، فكان ذلك قبل أن تسمع الحديث الذي دلَّ على خصوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وكانت متمسكة بما في كتاب الله من ذلك، فلما أخبرها أبو بكر بالحديث توقفت عن ذلك، ولم تعد عليه بطلب، وأما منازعة علي والعباس، فلم تكن في أصل الميراث، ولا طلبًا أن يتملكا ما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - من أموال بني النضير لأربعة أوجه:
أحدها: أنهما قد كانا ترافعا إلى أبي بكر في ذلك، فمنعهما أبو بكر مستدلًا بالحديث الذي تقدَّم، فلما سمعاه أذعنا، وسكنا، وسلَّما، إلى أن توفي أبو بكر، وولي عمر، فجاءاه، فسألاه أن يوليَهُما على النظر فيها، والعمل بأحكامها، وأخذها من وجوهها، وصرفها في مواضعها، فدفعها إليهما على ذلك، وعلى ألا ينفرد أحدهما عن الآخر بعمل حتى يستشيره، ويكون معه فيه، فعملا كذلك إلى أن شق عليهما العمل فيها مجتمعين، فإنهما كانا بحيث لا يقدر أحدهما أن يستقل بأدنى عمل حتى يحضر الآخر، ويساعده، فلما شق عليهما ذلك، جاءا إلى عمر رضي الله عنه ثانية، وهي هذه الكرة التي ذكرت هنا، يطلبان منه أن يقسمها بينهما، حتى يستقل كل واحد منهما بالنظر فيما يكون في يديه منها، فأبى عليهما عمر ذلك، وخاف إن فعل ذلك أن يظن ظانٌّ أن ذلك قسمة ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيعتقد بطلان قوله:(لا نورث)، لا سيما لو قسمها نصفين، (فإن ذلك كان يكون موافقًا لسنة القسم في المواريث؛ فإن من ترك بنتًا، وعمًا، كان المال بينهما نصفين)(١): للبنت النصف بالفرض، وللعم النصف بالتعصيب. فمنع ذلك عمر