للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعصب القوم بفلان؛ أي: أحاطوا به، ومنه سُميت قرابة الرَّجل: عصبة (١). وقد أشكل هذا الحديث على طوائف من العلماء. ووجه الإشكال: أنه - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى أصحابه من أهل بدر، مع أنه قد كان قد انتشر الإسلام بمكة والمدينة، وكثر أهله في مواضع كثيرة، بحيث يكون أهل بدر بالنسبة إليهم قليلًا، وعلى هذا تقدير هلاك هؤلاء المشار إليهم، فيبقى من كان من المسلمين بالمدينة ومكة وغيرهما من المواضع التي أسلم أهلها. ولو لم يكن في الوجود مسلم غير أهل بدر تقديرًا، ففي الإمكان إيجاد قوم آخرين يعبدون الله، والقدرة صالحة لذلك، كما قال تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوا يَستَبدِل قَومًا غَيرَكُم ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمثَالَكُم} وإذا كانت قدرة الله صالحة لهذا، فمن أين يجزم بذلك؟ ومن أين يلزم من هلاك هؤلاء عدم عبادة الله تعالى في الأرض؟

وقد رسخ هذا الإشكال عند بعض المتشدِّقين وقال: إنها بادرة بدرت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقدَّر معاتبةً له من الله تعالى على ذلك في كلام تفاصح فيه، فعدّ ذلك من زلَاّت هذا القائل؛ إذ قد جهل من حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما نزهه الله عنه بقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى} وقد قال حين قال له عبد الله بن عمرو: أنكتب عنك في السخط والرضا (٢)؟ قال: (نعم، لا ينبغي لي أن أقول إلَاّ حقًّا) (٣).

وقد انفصل أهل التحقيق عن ذلك بأوجهٍ:

أحدها: أنه يحتمل أن يكون قال ذلك عن وحي أوحي إليه بذلك، فمن الجائز أن يكون: لو هلكت تلك العصابة في ذلك الوقت على يدي عدوهم؛ أن


(١) في (ع) و (ج) و (هـ): عصابة.
(٢) ساقط من (ع) و (ج).
(٣) رواه أحمد (٢/ ٢٠٧ و ٢١٥)، وأبو داود (٣٦٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>