للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَمَا زَالَ يَهتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيهِ مُستَقبِلَ القِبلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَن مَنكِبَيهِ،

ــ

يفتتن غيرهم، فلا يبقى على الأرض مسلم يعبد الله، ثم لا يبعث نبي آخر، وتنقطع العبادة.

وثانيها: أن هذا اللفظ وهم من بعض الرُّواة في حديث عُمَر؛ إذ قد روي هذا الحديث من جهات متعددة من حديث أنس وابن عباس، وليس فيها هذا اللفظ، وإنما فيها: (اللهم إنك إن تشأ لا تعبد في الأرض) (١).

وثالثها: أن هذه العصابة ليس المراد بها الحاضرين في بدر فقط، بل المسلمين كلهم في المدينة وغيرها. وسماهم عصابة بالنسبة إلى كثرة عدوهم، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (عُصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض، بيت كسرى) (٢). فقلّلهم بالنسبة إلى عدوهم، فكأنه - صلى الله عليه وسلم - لما علم أنه لا نبي بعده، وقدَّر في نفسه الهلاك عليه وعلى كل من آمن به، ونظر إلى سنة الله في العبادة التي لا تُتلقّى إلا من جهة الأنبياء، لزم من ذلك نفي العبادة جزمًا، والله تعالى أعلم. وهذا أحسن الأوجه، وأولاها.

وقوله: (فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه)؛ هذا منه - صلى الله عليه وسلم - قيام بوظيفة ذلك الوقت من الدُّعاء والالتجاء إلى الله تعالى، وتعليم لأمته ما يلجؤون إليه عند الشدائد والكرب الواقعة بهم، فإن ذلك الوقت كان وقت اضطرار وشدة، وقد وعد الله المضطر بالإجابة، حيث قال: {أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ}؛ يعني: عن المضطر عند الدُّعاء، فقام بعبادة ذلك الوقت، ولا يلزم من اجتهاده في الدعاء في ذلك الوقت أن يكون ارتاب في: أن الله سينجز له ما وعده به، كما ظهر مما وقع لأبي بكر


(١) رواه أحمد (٣/ ١٥٢)، ومسلم (١٣٦٣).
(٢) رواه مسلم (١٨٢٢ و ٢٩١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>