رضي الله عنه؛ حيث قال له:(كفاك مناشدتك ربك؛ فإنه سينجز لك ما وعدك). كما لا يلزم من دعائه في أن يدخله الله الجنة، وينجيه من النار، ويغفر له ذنوبه أن يكون في شك من شيء من ذلك، فإن الله قد أعلمه قطعًا أنه يدخله الجنة وينجيه من النار، ويغفر له (١)، لكنه قام بحق العبودية من إظهار الفاقة، وامتثال العبادة؛ فإن الدعاء مخ العبادة، فقلبه - صلى الله عليه وسلم - مستغرق بمعرفة الواعد، وإنجاز الموعود، ولسانه وجوارحه مستغرقة بالقيام بحق عبادة المعبود، فقام في كل جارحة بوظيفتها، ولكل عبادة بحقيقتها.
وسقوط ردائه - صلى الله عليه وسلم - عن منكبيه أوجبه غيبته عن ظاهره بما وجده في باطنه. وردُّ أبي بكر رضي الله عنه رداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على منكبيه بعد سقوطه أوجبه؛ مراعاة أبي بكر رضي الله عنه أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تنحفظ عليه محاسن آدابه والتزامه إيَّاه، وتثبيته له بما قاله له؛ أوجبه فرط محبته، وشفقته، وقصرُ نظره على ظاهره، مع ذهوله عما استغرقه من ذلك عن الالتفات إلى ما ذكرناه من المعاني والأسرار التي لاحت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في باطنه.
ولا يظن أحدٌ أن أبا بكر رضي الله عنه كان في تلك الحالة أقوى من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوثق بما وعده الله به من النصر، فإن ذلك ظن من لا يعرف محمدا - صلى الله عليه وسلم - حق معرفته، ولا قدره حق قدره. وكيف يصير إلى غير هذا المعنى من سمع قوله في الغار ويوم سراقة: لَا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا، وكيف يظن ذلك من يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد ولد آدم، وأكملهم وأقواهم، ولو وزن بجميع أمته لرجحهم؟ وبلا شك أن الأنبياء أفضل الناس، وأعلمهم بالله وبحدوده. ولا شك في: أنه - صلى الله عليه وسلم - أفضل الأنبياء وأكملهم. وإذا كانت هذه حاله مع