ووجه هذا الإشكال: أن هذا الاجتهاد الذي صدر من أبي بكر، ووافقه عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إما أن يكون الله قد سوَّغه لهم أو لا. فإن كان الأول، فكيف يعاتبون، ويتوعدون على ما سوّغ لهم؟ وإن لم يكن مسوَّغًا، فكيف أقدموا عليه، لا سيما النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي قد برأ الله نطقه عن الهوى، واجتهاده عن الخطأ؟ ! ولما أشكل هذا اختلفت أجوبة العلماء عنه، فقيل فيه أقوال:
أحدها: أنهم أقدموا عليه لأنه أمر مصلحي دنيوي، والأمور المصلحية الإقدام عليها مسوّغ، ولا بعد في العتب على ترك المصلحة الراجحة وإن كانت دنيوية. وهذا فاسد من وجهين:
أحدهما: أن هذا الاجتهاد منهم إنما كان في أمر شرعي حكمي؛ لأنه يقتضي سفك دماء، واستباحة أموال، وإرقاق أحرار، وهذه لا تستباح إلا بالشرع.
وثانيهما: أن العتب الشرعي لا يتوجه على ترك مصلحة دنيوية لا يتعلق بها مقصود شرعي، كما لم يتوجه على النبي - صلى الله عليه وسلم - عتب في قضية إبار النخل، وإن كان عدلَ فيه عن المصلحة الدنيوية الراجحة، وهذا من نوع الأول.
الثاني: إنما عوتبوا؛ لأن قضية بدر عظيمة الموقع، والتصرف في صناديد قريش وساداتهم وأموالهم بالقتل، والاسترقاق، والتملك، ذلك كله عظيم الموقع، فكان حقهم أن ينتظروا الوحي، ولا يستعجلوا، فلما استعجلوا، ولم ينتظروا توجه