للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ: مَا تَرَونَ فِي هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ . فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! هُم بَنُو العَمِّ وَالعَشِيرَةِ، أَرَى أَن تَأخُذَ مِنهُم فِديَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الكُفَّارِ، فَعَسَى اللَّهُ أَن يَهدِيَهُم لِلإِسلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: مَا تَرَى يَا بنَ الخَطَّابِ؟ . قُلتُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ!

ــ

وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (ما ترون في هؤلاء الأسارى)؛ يدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - ما كان أوحي إليه في أمرهم بشيء، فاستشارهم لينظروا في ذلك بالنظر الأصلح، فاختلف نظر أبي بكر وعمر. فمال أبو بكر إلى الإبقاء طمعًا في إسلامهم، وإلى الفداء ليكون ذلك قوة عليهم. ومال عمر إلى القتل محقًا للكفر، وقصاصًا منهم، وردعًا لأهله، فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ما قال أبو بكر على مقتضى رأفته ورحمته بالمؤمنين؛ ليتقووا على عدوهم، وعلى مقتضى حرصه على إيمان من أسر منهم. وكل من النظرين له أصول تشهد بصحته، بل نقول: إن نظر أبي بكر يشهد لصحته قضية سرية عبد الله بن جحش، وكانت قبل بدر بنحو ثلاثة أشهر، قتل فيها ابن الحضرمي، وأسر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأخذوا عيرهم، وقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقبل فداء الأسيرين. ولما عظم على الناس قتل ابن الحضرمي في الشهر الحرام، سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأنزل الله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُل قِتَالٌ فِيهِ} (١) وسوَّغ الله لهم الفداء، فكان ذلك دليلًا على صحة ما اختاره أبو بكر، وكذلك مال إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهويَه (٢). وعند هذا يشكل ما جاء في آخر هذا الحديث من عتب الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسرَى حَتَّى يُثخِنَ فِي الأَرضِ} وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) (٣).


(١) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(٢) في (هـ) و (م): وصوَّبه.
(٣) هو حديث الباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>