للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عِندَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ . فَقَالَ: عِندِي يَا مُحَمَّدُ خَيرٌ، إِن تَقتُل تَقتُل ذَا دَمٍ، وَإِن تُنعِم تُنعِم عَلَى شَاكِرٍ، وَإِن كُنتَ تُرِيدُ المَالَ فَسَل تُعطَ مِنهُ مَا شِئتَ، فَتَرَكَهُ

ــ

لنجاستهم، وهذا يقتضي تنزيه المساجد عنهم، كما تنزه عن سائر الأنجاس.

والشافعي يحمل النجس هنا على عين المشرك. ومالك يحمله على أنه نجس بما يخالطه من النجاسة؛ إذ كان لا ينفك عنها، ولا يتحرز منها، وبقوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ} ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول والقذر) (١).

والكافر لا يخلو عن ذلك. وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا أحل المسجد لحائض، ولا جنب) (٢). والكافر جنب.

وإن كانت امرأة فعليها الغسل من الحيض، لا سيما إذا قلنا: إنهم مخاطبون بالفروع. وقد اعتذر أصحابنا عن حديث ثمامة بأوجه:

أحدها: أن ذلك كان متقدَّمًا على قوله تعالى: {إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ} وهذا يحتاج إلى تحقيق نقل التواريخ.

وثانيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد علم بإسلامه. وهذا فيه بُعد؛ فإنه نص في الحديث على أنه إنما أسلم بعد أن منَّ عليه، وأطلقه، ثم إنه رجع فأسلم.

وثالثها: أن هذه قضية في عين، فلا ينبغي أن ترفع بها الأدلة التي ذكرناها آنفًا؛ لكونها مفيدة حكم القاعدة الكلية. ويمكن أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ربط ثمامة في المسجد لينظر حسن صلاة المسلمين، واجتماعهم عليها، وحسن آدابهم في جلوسهم في المسجد، فيأنسَّ بذلك ويسلم، وكذلك كان. ويمكن أن يقال: إنهم لم يكن لهم موضع يربطونه فيه إلا في المسجد. والله تعالى أعلم.

وقوله: (إن تقتل تقتل ذا دم)؛ هو بالدال المهملة؛ ويعني به: إنه ممن يشتفى


(١) رواه أحمد (٣/ ٩١)، ومسلم (٢٣٧).
(٢) رواه أبو داود (٢٣٢)، وابن ماجه (٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>