للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: وَكَانَ دَحيَةُ الكَلبِيُّ جَاءَ بِهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصرَى إِلَى هِرَقلَ، فَقَالَ هِرَقلُ: هَل هَاهُنَا أَحَدٌ مِن قَومِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَوا: نَعَم، فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِن قُرَيشٍ، فَدَخَلنَا عَلَى هِرَقلَ. فَأَجلَسَنَا بَينَ يَدَيهِ. فَقَالَ: أَيُّكُم أَقرَبُ نَسَبًا مِن هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفيَانَ: فَقُلتُ: أَنَا، فَأَجلَسُونِي بَينَ يَدَيهِ وَأَجلَسُوا أَصحَابِي خَلفِي، ثُمَّ دَعَا بِتَرجُمَانِهِ فَقَالَ لَهُ: قُل لَهُم: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَن هذا الرَّجُلِ

ــ

من الأعلام.

و(بُصرى) - بضم الباء-: وهي من مدن الشام، وهي مدينة حوران. و (الترجمان): هو المعبِّر عن القوم. يقال: بضم التاء وفتحها. و (هرقل) - بكسر الهاء، وفتح الراء، وسكون القاف-: وهو اسم لكل ملك للروم، كالنجاشي: اسم لكل ملك للحبشة. وكسرى: اسم لكل ملك للفرس. وقد قدَّمنا هذا في كتاب: الجنائز.

قلت: إذا تأملت هذا الحديث علمت فطنة هذا الرجل، وجوّدة قريحته، وحسن نظره (١)، وسياسته، وتثبته. وأنه علم صحة نبوَّة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصدقه. غير أنه ظهر منه بعد هذا ما يدل: على أنه لم يؤمن، ولم ينتفع بذلك العلم الذي حصل له، فإنه هو الذي جيَّش الجيوش على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقاتلهم، وألّب عليهم، ولم يقصِّر في تجهيز الجيوش عليهم، وإرساله إليهم الجموع العظيمة من الروم وغيرهم الكرَّة بعد الكرَّة، فيهزمهم الله، ويهلكهم، ولا يرجع إليهم منهم إلا فلُّهم (٢)، واستمر على ذلك إلى أن مات، وقد فتح الله على المسلمين أكثر بلاد الشام، ثم ولي ولده بعده، وعليه فتحت جميع البلاد الشامية، وبهلاكه هلكت المملكة الرومية.


(١) في (هـ) و (م): فكره.
(٢) "الفلُّ": القوم المنهزمون.

<<  <  ج: ص:  >  >>