للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٣٧٣] وعَن جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ فَقَالَ: إِنَّ بِالمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرتُم مَسِيرة، وَلَا قَطَعتُم وَادِيًا، إِلَّا كَانُوا مَعَكُم، حَبَسَهُم المَرَضُ.

رواه مسلم (١٩١١).

* * *

ــ

كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوَّجها، فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)؛ أي: ليس له من هجرته إلا ما قصده. وهذا كما قال في الحديث الآخر: (مَن أتى المسجد لشيءٍ فهو حظه) (١). وإنما ذُكِرَت في الحديث الهجرةُ؛ لأنه جَرَى سَبَبُها، وذلك: أنَّ رجلًا هاجر إلى المدينة ليتزوَّج امرأةً بها، تُسمَّى: أم قيس، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر الحديث، وسُمِّي الرجل: مهاجر أم قيس. على ما ذكر أئمتنا (٢). وظاهرُ حال هذا الرجل بسبب هذه الإضافة التي غلبت على اسمه أنه لم تكن له في الهجرةِ الشرعية رغبة، ولا نية فسلبها، ونسب إلى ما نواه، وقَصَده. والله تعالى أعلم.

وقوله: (إن بالمدينة لرجالًا ما سرتم مسيرًا، ولا قَطَعتُم واديًا إلا كانوا معكم، حَبَسَهُمُ المرض)؛ يدل على ما ذكرنا: من أنَّ الناوي لأعمال البرِّ؛ الصادق النية فيها؛ إذا منعه من ذلك عذر كان له مثلُ أجر المباشر مضاعفًا، كما قدَّمناه. وقد دلَّ عليه من الحديث ذكر قطع الوادي، والمسير، فإن هذا إشارة إلى قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُم لا يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى قوله تعالى: {وَلا يَقطَعُونَ وَادِيًا إِلا كُتِبَ لَهُم لِيَجزِيَهُمُ اللَّهُ أَحسَنَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} ولما كان القاعدون لأجل العُذر قد صحَّت نيَتهم في مباشرة


(١) رواه أبو داود (٤٧٢)، والبيهقي (٢ ج ٤٤٧ و ٣/ ٦٦).
(٢) قال ابن رجب في كتابه "جامع العلوم والحكم" (ص ١٢): اشتهر أن قصة مهاجر أم قيىس؛ كانت سبب قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - "من كانت هجرته. . ." وذكر ذلك كثير من المتأخرين في كتبهم، ولم نر لذلك أصلًا يَصِحُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>