[٢٦] وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحلِ - قَالَ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيكَ رسولَ الله وَسَعدَيكَ! قَالَ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيكَ رسولَ الله وَسَعدَيكَ! قَالَ: يَا مُعَاذُ، قَالَ: لَبَّيكَ رسولَ الله وَسَعدَيكَ! قَالَ: مَا مِن عَبدٍ يَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ - فِي البُخَارِيِّ: صِدقًا مِن قَلبِهِ - إِلَاّ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار،
ــ
و(قوله: أَجهَشتُ بُكَاءً) أي: تهيَّأتُ له وأخذتُ فيه؛ قال أبو عُبَيد: الجَهشُ: أن يفزعَ الإنسانُ إلى الإنسان مريدًا للبكاء؛ كالصبيِّ يَفزَعُ لأمه، فقال: جَهَشتُ، وأجهشتُ: لغتان، وقال أبو زيد: جَهَشتُ للبكاء والحُزنِ والشوقِ جُهُوشًا.
وفي هذا الحديث: دليلٌ على جواز تخصيصِ العموم بالمصلحةِ المشهودِ لها بالاعتبار، وقد اختلَفَ فيه الأصوليُّون، وفيه: عَرضُ المصالح على الإمام وإن لم يستَدعِ ذلك، وفيه أبوابٌ لا تخفى.
و(قوله في حديث معاذ: مَا مِن عَبدٍ يَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، إِلَاّ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّار) هكذا وقع هذا الحديث في كتاب مسلم عن جميع رواته فيما عَلِمتُهُ، وقد زاد البخاريُّ فيه: صِدقًا مِن قَلبِهِ، وهي زيادةٌ حسنةٌ تنُصُّ على صحَّةِ ما تضمَّنَتهُ الترجمة المتقدِّمة، وعلى فساد مذهب المرجئة؛ كما قد قدَّمناه.
ومعنى صدق القلب: تصديقُهُ الجازمُ بحيث لا يخطُرُ له نقيضُ ما صدَّق به، وذلك إمَّا عن برهان، فيكونُ عِلمًا، أو عن غيره، فيكونُ اعتقادًا جَزمًا. ويجوز: أن يحرِّم اللهُ مَن مات على الشهادتين على النار مطلقًا، ومَن دخلَ النارَ مِن أهل الشهادتين بكبائرِهِ، حرَّم على النارِ جميعَهُ أو بعضَهُ؛ كما قال في الحديث الآخر: فَيحَرَّمُ صُوَرُهُم على النارِ (١)، وقال: حرَّم اللهُ على النار أن تَأكُلَ أَثَرَ