للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَخبَرتُهُ بِالَّذِي بَعَثتَنِي بِهِ، فَضَرَبَ بَينَ ثَديَيَّ ضَربَةً خَرَرتُ لاِستِي، فقَالَ: ارجِع، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يَا عُمَرُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلتَ؟ فقَالَ: يَا رسولَ الله - بِأَبِي أَنتَ وَأُمِّي! - أَبَعَثتَ أَبَا هُرَيرَةَ بِنَعلَيكَ: مَن لَقِيَ يَشهَدُ أَن لَا إِلهَ إِلَاّ اللهُ مُستَيقِنًا بِهَا قَلبُهُ، بَشَّرَهُ بِالجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: فَلا تَفعَل؛ فَإِنِّي أَخشَى أَن يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيهَا، فَخَلِّهِم يَعمَلُونَ! قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: فَخَلِّهِم.

رواه مسلم (٣١).

ــ

أبي هريرةَ حتى سقطَ لم يكن ليؤذيَهُ ويوقعه، لكن إنما كان ليوقفَهُ ويمنَعَهُ من النهوضِ بالبشرى حتى يراجعَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن ذلك من عمر اعتراضًا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا ردًّا لأمره، وإنما كان ذلك سعيًا في استكشافٍ عَن مصلحةٍ ظهرَت له، لم يعارض بها حكمًا ولا شرعًا؛ إذ ليس فيما أَمَرَهُ به إلا تطييبُ قلوب أصحابه أو أمَّته بتلك البشرى، فرأى عُمَرُ أنَّ السكوتَ عن تلك البشرى أصلَحَ لهم؛ لئلا يتَّكلوا على ذلك، فتقلَّ أعمالهم وأجورهم.

ولعلَّ عمر قد كان سَمِعَ ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - كما سمعه معاذٌ على ما يأتي في حديثه (١)، فيكونَ ذلك تذكيرًا للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بما قد سمع منه، ويكونُ سكوت النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك تعديلاً على ما قد كان تعذر لهم تبيانه لذلك، ويكونُ عمر لِمَا خصَّه الله تعالى به من الفِطنة وحضور الذهن تذكَّر ذلك. واستبلَدَ أبا هريرة؛ إذ لم يتفطَّن لذلك ولا تذكره، فضربه تلك الضربةَ؛ تأديبًا وتذكيرًا، والله تعالى أعلم.

و(قوله: فَخَرِرتُ لاِستِي) أي: على استي؛ كما قال تعالى: يَخِرُّونَ لِلأَذقَانِ أي: عليها، وكأنَّه وَكَزَهُ في صدره فوقَعَ على استه، وليس قولُ من قال: خرَّ على وَجهه بشيء.


(١) أى: حديث معاذ الآتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>