للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِن الأَشعَرِيِّينَ أَحَدُهُمَا عَن يَمِينِي وَالآخَرُ عَن يَسَارِي، فَكِلَاهُمَا سَأَلَ العَمَلَ، وَالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَستَاكُ، فَقال: مَا تَقول يَا أَبَا مُوسَى؟ أَو: يَا عَبدَ اللَّهِ بنَ قَيسٍ؟ قال: قلتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أَطلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنفُسِهِمَا وَمَا شَعَرتُ أَنَّهُمَا يَطلُبَانِ العَمَلَ! قال: وَكَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى سِوَاكِهِ تَحتَ شَفَتِهِ وَقَد قلصَت! فَقال: لَن - أَو: لَا - نَستَعمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَن أَرَادَهُ، وَلَكِن اذهب أَنتَ يَا أَبَا مُوسَى - أَو يَا عَبدَ اللَّهِ بنَ قَيسٍ. فَبَعَثَهُ عَلَى اليَمَنِ ثُمَّ أَتبَعَهُ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيهِ قال: انزِل - وَأَلقَى لَهُ وِسَادَةً، وَإِذَا رَجُلٌ عِندَهُ مُوثَقٌ، قال: مَا هذا؟ قال: هذا كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسلَمَ، ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ

ــ

وقوله صلى الله عليه وسلم ما تقول يا أبا موسى؟ استفهامُ استعلامٍ عمَّا عنده من إرادته العمل أو من معونته لهما على استدعائهما العمل، فأجابه بما يقتضي أنه لم يكن عنده إرادة ذلك ولا خبر من إرادة الرجلين، فلمَّا تحقق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولَاّه العمل إذ لم يسأله ولا حرص عليه، ومنعه الرَّجلين لحرصهما وسؤالهما على ما تقرر آنفًا من أن الحريص عليها مخذول والكاره لها معان.

ومما جرى من الكلام بهذا المعنى مجرى المثل: الحرص على الأمانة دليل الخيانة.

وقلصَت شَفَتُه تقبَّضت وقَصُرت، وكأنَّ السَّواك كان فيه قَبضٌ، أو يكون النبي صلى الله عليه وسلم قبض شفته ليتمَكَّن من تسويك أسنانه.

وقوله فبعثه على اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل، ظاهر هذا أنه صلى الله عليه وسلم وَلَّى معاذًا على أبي موسى ولم يعزل أبا موسى، وعلى هذا يدل تنفيذ معاذ الحُكم بقتل المرتد وإمضاؤه. ويحتمل أن يكون (١) صلى الله عليه وسلم وَلَّى كلّ واحد منهما على عمل غير عمل الآخر؛ فإما في الجهات، وإما في الأعمال (٢)، وهذا هو الصحيح


(١) زيادة من (ج ٢) و (ج).
(٢) زيادة من (ج ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>