للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٨] وعَن أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ:

ــ

والرضا الخاصُّ: هو الذي تكلَّم فيه أربابُ القلوب، وهو ينقسم على قسمَين: رضًا بهذه الأمور، ورضًا عن مُجرِيها تعالى؛ كما قال أبو عبد الله بنُ خَفِيف (١): الرضا قسمان: رضًا به، ورضًا عنه؛ فالرضا به مدبِّرًا، والرضا عنه فيما قضى، وقال أيضًا: هو سكونُ القلب إلى أحكامِ الرَّبّ، وموافقتُهُ على ما رَضِيَ واختار، وقال الجُنَيد: الرضا رفعُ الاختيار، وقال المُحَاسِبِيُّ: هو سكونُ القلب تحتَ مجاري الأحكام، وقال أبو عليٍّ الرُّوذبَارِيُّ: ليس الرضا ألَاّ يُحِسَّ بالبلاء، إنما الرضا ألَاّ يَعتَرِضَ على الحكم.

قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: وما ذكره هؤلاءِ المشايخُ هو مبدأُ الرضا عندهم، وقد ينتهي الرضا إلى ما قاله النُّورِيُّ (٢): هو سرورُ القلبِ بِمُرِّ القضاء، وَسُئِلَت رابعةُ عن الرضا؟ فقالت: إذا سرَّتهُ المصيبةُ كما سرَّتهُ النعمةُ.

وقد غلا بعضهم وهو أبو سُلَيمَانَ الداراني، فقال: أرجو أن أكونَ عَرَفتُ طَرَفًا من الرضا، لو أنَّه أدخلني النارَ، لَكُنتُ به راضيًا. وقال رُوَيم: الرضا هو: لو جعَلَ جهنَّمَ عن يمينه، ما سَأَلَ أن يحَوَّلَ عن شماله.

قال المؤلف - رحمه الله تعالى -: وهذا غلو، وفيه إشكالٌ، والكلامُ فيه يُخرِجُ عن مقصودِ كتابنا. وعلى الجملة: فالرضا بابُ اللهِ الأعظمُ، وفيه جماعُ الخيرِ كلِّه؛ كما قال عمر لأبي موسى فيما كتب إليه: أما بعدُ! فإنَّ الخَيرَ كلَّه في الرضا؛ فإنِ استطَعَتَ أن ترضَى، وإلَاّ فاصبر.

و(قوله: ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الإِيمَانِ) إنما خصَّ هذه


(١) هو محمد بن خفيف الشيرازي: من مشايخ الصوفية. توفي سنة (٣٧١ هـ).
(٢) هو أحمد بن محمد النُّوري: من مشايخ الصوفية. توفي سنة (٢٩٥ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>