الثلاثَ بهذا المعنى؛ لأنَّها لا توجدُ إلا ممَّن تنوَّرَ قلبُه بأنوار الإيمان واليقين، وانكشَفَت له محاسنُ تلك الأمور التي أوجَبَت له تلك المَحَبَّةَ التي هي حالُ العارفين.
و(قوله: مَن كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِمَّا سِوَاهُمَا) دليلٌ على جواز إضافةِ المحبَّةِ لله تعالى، وإطلاقِهَا عليه، ولا خلافَ في إطلاقِ ذلك عليه صحيح مُحِبًّا ومحبوبًا؛ كما قال تعالى: فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ وهو في السُّنَّة كثير.
ولا يختلف النُّظَّار من أهل السُّنَّة وغيرِهِم: أنَّها مُؤَوَّلةٌ في حق الله تعالى؛ لأنَّ المحبة المتعارَفَةَ في حقِّنا إنَّما هي مَيلٌ لما فيه غَرَضٌ يَستَكمِلُ به الإنسانُ ما نقصَهُ، وسكونٌ لما تَلتَذُّ به النفس، وتكمُلُ بحصوله، والله تعالى منزَّهٌ عن ذلك.
وقد اختلف أئمَّتنا في تأويلها في حَقِّ الله تعالى: فمنهم مَن صرفها إلى إرادتِهِ تعالى إنعامًا مخصوصًا على مَن أخبَرَ أنَّه يحبُّه من عباده؛ وعلى هذا تَرجِعُ إلى صفة ذاته. ومنهم: مَن صرفها إلى نفس الإنعام والإكرام؛ وعلى هذا فتكون من صفات الفعل. وعلى هذا المنهاج: يتمشَّى القولُ في الرحمة والنَّعمَة والرضا، والغضبِ والسَّخَط وما كان في معناها، ولِبَسطِ ذلك موضعٌ آخر.
فأما محبَّةِ العبد لله تعالى فقد تأوَّلها بعضُ المتكلِّمين؛ لأنَّهم فسَّروا المحبَّة بالإرادةُ، والإرادة إنما تتعلَّق بالحادث لا بالقديم، ومنهم مَن قال: لأنَّ محبتَنا إنَّما تتعلَّق بمستَلَذٍّ محسوسٍ، واللهُ تعالى منزَّهٌ (١) عن ذلك. وهؤلاءِ تأوَّلوا محبةَ العبدِ لله تعالى بطاعتِهِ له، وتعظيمِهِ إياه، وموافقتِهِ له على ما يريد منه. وأما أربابُ