للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِنكُم البَاءَةَ فَليَتَزَوَّج

ــ

أي: من لم يجد ذلك. ولا يُراد به هنا: القدرة على الوطءِ؛ لقوله: (فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء).

و(قوله: فليتزوج) أمرٌ، وظاهره: الوجوب. وبه قال داود ومَن تابعه. والواجب عندهم العَقدُ لا الدخول، فإنه إنما يجب عندهم مرة في العمر. والجمهور: على أن التزويج مندوب إليه، مُرَغَّبٌ فيه على الجملة. وقد اعتبره بعض علمائنا بالنظر إلى أحوال النَّاس، وقسَّمه بأقسام الأحكام الخمسة (١). وذلك واضحٌ. وصرف الجمهورُ ذلك الأمرَ عن ظاهره لشيئين:

أحدهما: أن الله تعالى قد خيَّر بين التزويج والتَّسَرِّي بقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِّسَاءِ مَثنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} ثم قال: {أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم}، والتَّسرِّي ليس بواجب إجماعًا، فالنكاح لا يكون واجبا؛ لأن التخيير بين واجب وبين ما ليس بواجب يرفع وجوب الواجب. وبَسطُ هذا في الأصول.

وثانيهما: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُم لِفُرُوجِهِم حَافِظُونَ * إِلا عَلَى أَزوَاجِهِم أو مَا مَلَكَت أَيمَانُهُم فَإِنَّهُم غَيرُ مَلُومِينَ} ولا يقال في الواجب: إنه غير ملوم.

ثم هذا الحديث لا حجة لهم فيه لوجهين:

أحدهما: أن نقول بموجبه في حق الشابّ المستطيع الذي يَخافُ الضررَ على نفسه ودينه من العُزبة، بحيث لا يرتفع عنه إلَاّ بالتزويج، وهذا لا يُختلف في وجوب التزويج عليه.

والثاني: أنهم قالوا: إنّما يجب العقد لا الوطء. وظاهرُ الحديث: إنّما هو الوطء، فإنّه لا يحصل شيءٌ من الفوائد التي أرشد إليها في ذلك الحديث؛ من


(١) الأحكام الخمسة هي: الواجب، المندوب، المباح، المكروه، الحرام.

<<  <  ج: ص:  >  >>