[٣٦] عَن أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ.
رواه أحمد (٣/ ١٧٦ و ٢٧٢ و ٢٧٨)، والبخاري (١٣)، ومسلم (٤٥)، والنسائي (٨/ ١١٥)، والترمذي (٢٥١٧)، وابن ماجه (٦٦).
* * *
ــ
هذا المعنى أعظَمُ؛ لأنَّ معرفتهم لقدره أعظم؛ لأن المحبَّةُ ثمرةُ المعرفة، فتقوَى وتضعُفُ بِحَسَبها.
ومن المؤمنين: من يكونُ مستغرِقًا بالشهوات، محجوبًا بالغفلات عن ذلك المعنى في أكثرِ أوقاته؛ فهذا بأخسِّ الأحوال، لكنَّه إذا ذُكِّرَ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وبشيء من فضائله، اهتاجَ لذكرِهِ، واشتاقَ لرؤيته، بحيثُ يُؤثِرُ رؤيتَهُ، بل رؤيةَ قبرِهِ ومواضعِ آثاره، على أهلِهِ ومالِهِ وولدِهِ، ونفسِهِ والناسِ أجمعين، فيخطُرُ له هذا ويجدُهُ وِجدانًا لا شَكَّ فيه، غير أنَّه سريعُ الزوال والذَّهَاب؛ لغلبة الشَّهَوَاتِ، وتوالي الغَفَلَات؛ ويُخَافُ على مَن كان هذا حالُهُ ذَهَابُ أصلِ تلك المحبَّة، حتى لا يوجَدَ منها حَبَّة، فنسألُ اللهَ الكريم أن يَمُنَّ علينا بدوامها وكمالِها، ولا يَحجُبَنَا عنها.
و(قوله: لَا يُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لِأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفسِهِ) أي: لا يكمُلُ إيمانه؛ كما تقدَّم؛ إذ مَن يَغُشُّ المسلمَ ولا ينصحُهُ مرتكبٌ كبيرةً، ولا يكونُ كافرًا بذلك؛ كما بيَّنَّاه غير مرَّة.
وعلى هذا: فمعنى الحديث: أنَّ الموصوفَ بالإيمانِ الكامل: مَن كان في معاملته للناس ناصحًا لهم، مريدًا لهم ما يريده لنفسه، وكارهًا لهم ما يكرهه لنفسه، وتتضمَّنُ أن يفضِّلهم على نفسه؛ لأنَّ كلَّ أحد يُحِبُّ أن يكونَ أفضَلَ من غيره، فإذا أحَبَّ لغيره ما يحبُّ لنفسه، فقد أَحَبَّ أن يكونَ غيره أفضَلَ منه؛ وإلى هذا المعنى أشار الفُضَيلُ بنُ عِيَاض لمَّا قال لسفيانَ بنِ عُيَينة: إن كنتَ تريدُ أن يكون الناسُ مثلَكَ، فما أدَّيتَ للهِ الكريمِ النصيحة، فكيف وأنتَ تُوَدُّ أنَّهم دونك؟ !