مشهور. وهذا الوجه يقتضي القطع ببطلان هذا الخبر. فإن لم يقتض ذلك؛ فلا أقل من أن يفيدنا الريبة فيه والتوقف، والله تعالى أعلم.
الوجه السادس: تطرُّق التأويل إليه. ولعلمائنا فيه تأويلان:
أحدهما: ما قاله بعض البغداديين: إن معناه الإنكار على من يخرج عن سنَّة الطلاق بإيقاع الثلاث، والإخبار عن تساهل الناس في مخالفة السُّنَّة في الزمان المتأخر عن العصرين السابقين، فكأنه قال: كان الطلاق الموقع الآن ثلاثًا في ذينك العصرين واحدة، كما يقال: كان الشجاع الآن جبانًا في عصر الصحابة. وكان الكريم الآن بخيلًا في ذلك الوقت. فيفيد تغير الحال بالناس.
وثانيهما: قال غير البغداديين: المراد بذلك الحديث من تكررَّ الطلاق منه، فقال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. فإنها كانت عندهم محمولة في القدم على التأكيد. فكانت واحدة. وصار الناس بعد ذلك يحملونها على التجديد، فأُلزِمُوا ذلك لَمَّا ظهر قصدَهم إليه. ويشهد بصحة هذا التأويل قول عمر ـ رضي الله عنه ـ: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة. وقد تأوَّله غير علمائنا على أن ذلك كان في المطلقة قبل الدُّخُول، كما دلَّ عليه حديث أبي داود؛ الذي تقدَّم ذكره، وأبدى بين المدخول بها وغيرها فرقًا. فقال: إنما جعلوه في غير المدخول بها (١) واحدة؛ لأنها تبين بها، وكأنَّ هؤلاء أشاروا إلى أن قوله لغير المدخول بها: أنت طالق. قد أبانها، وبقي قوله: ثلاثًا. لم يصادف محلًا، فأجروا المتصل مجرى المنفصل. وهذا ليس بشيء؛ فإنَّ قوله: أنت طالق ثلاثًا. كلام واحد متصل غير منفصل. ومن المحال البَيِّن إعطاء الشيء حُكم نَقِيضِه، وإلغاء بعض الكلام الواحد. وأشبه هذه التأويلات الثاني على ما قرَّرناه، والله تعالى أعلم.
هذا الكلام على حديث ابن عباس.
وأمَّا حديث ابن عمر: أنَّه طلق امرأته ثلاثًا، فغير صحيح، كما قد ذكره