وسيأتي في حديث الجسَّاسة لفظٌ يوهم: أنه مات عنها. وله تأويل يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى، ويعني بالبتة: آخر الثلاث تطليقات، كما جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى. لا أنه أوقع عليها لفظ البتة، وإنما سَمَّى آخر الثلاث: البتة؛ لأنها طلقة تَبُتُّ العصمة، ولا تُبقي منها شيئًا. ولما كملت بهذه الطلقة الثلاث عَبَّر عنها بعض الرواة بالثلاث. والرواية المفصَّلة قاضيةٌ على غيرها، وهي الصحيحة.
و(قوله: فأرسل إليها وكيله بشعير، فسخطته) كان صوابه أن يقول: وَكِيلَيه؛ لأنهما الحارث بن هشام، وعياش بن ربيعة؛ كما جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى.
وفيه دليل على العمل بالوكالة، وشهرتها عندهم. وكأنَّ إرساله بهذا الشعير كان منه متعة، فحسبته هي نفقةً واجبةً عليه، ولذلك سخطته، ورأت: أنها تستحق عليه (١) أكثر من ذلك وأطيب. فحين تحقَّق الوكيلان منها ذلك؛ أخبراها بالحكم، فلم تقبل منهما حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها:(لا نفقة لك) على ما رواه مالك، وأكثر الرواة من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن فاطمة، وعلى ما رواه الزهري، عن عبيد الله بن عتبة. ولم يذكروا فيها قوله:(ولا سكنى) على أنها رواية مرسلة على ما قاله أبو مسعود.
ولم يرو مالك، ولا أكثر الأئمة هذه اللفظة في السكنى، وإنما هي من رواية أبي حازم عن أبي سلمة. ومن رواية الشعبي عن فاطمة. وهي التي أنكرها عليه الأسود.
ولأجل اختلاف هذه الطرق، واختلافهم في تأويل قوله تعالى:{لا تُخرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخرُجنَ}؛ اختلفوا في المطلقة البائن، فقال بعضهم: لها السُّكنى، والنفقة. وهو قول عمر ـ رضي الله عنه ـ وأبي حنيفة