للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٤٠] وعَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ؛ أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَا مِن نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى فِي أُمَّةٍ قَبلِي، إِلَاّ كَانَ لَهُ مِن أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصحَابٌ؛

ــ

فإذا كان كذلك، تعيَّن التغييرُ باليد إن كان ذلك المُنكَرُ مما يَحتَاجُ في تغييره إليها، مثلُ: كَسرِ أواني الخمر، وآلاتِ اللهو؛ كالمزاميرِ والأوتاد والكبَرِ (١)، وكمنعِ الظالمِ من الضَّربِ والقتلِ وغيرِ ذلك، فإن لم يَقدِر بنفسه، استعان بغيره، فإن خاف من ذلك ثَوَرَانَ فتنةٍ، وإشهارَ سلاح، تعيَّن رفعُ ذلك، فإن لم يَقدِر بنفسه على ذلك، غيَّر بالقولِ المرتجى نفعُهُ، مِن لين أو إغلاظ؛ حسَبَ ما يكونُ أنفع، وقد يُبلَغُ بالرِّفقِ والسياسة ما لا يُبلَغ بالسيف والرياسة.

فإن خاف من القول القتل أو الأذى، غيَّر بقلبه، ومعناه: أن يكره ذلك الفعلَ بقلبه، ويعزمَ على أن لو قدَرَ على التغيير لغيَّره.

وهذه آخرُ خَصلَةٍ منَ الخصالِ المتعيِّنةِ على المؤمن في تغييرِ المُنكَر، وهي المعبَّرُ عنها في الحديث بأنَّها أضعفُ الإيمان، أي: خصالِ الإيمان، ولم يبق بعدها للمؤمنِ مرتبةٌ أخرى في تغيير المنكر؛ ولذلك قال في الرواية الأخرى: لَيسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَردَلٍ (٢)، أي: لم يبق وراءَ هذه المرتبةِ رتبةٌ أخرى، والإيمانُ في هذا الحديث بمعنى الإسلام على ما تقدَّم.

وفيه دليلٌ على أن مَن خاف على نفسه القتلَ أو الضرب سقَطَ عنه التغيير، وهو مذهبُ المحقِّقين سَلَفًا وخَلَفًا، وذهبت طائفةٌ من الغلاة: إلى أنه لا يسقُطُ وإن خاف ذلك، وسيأتي استيفاءُ هذا المعنى في الجهاد إن شاء الله تعالى.

و(قوله: مَا مِن نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبلِي، إِلَاّ كَانَ لَهُ مِن أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصحَابٌ) أي: ما من رسولٍ من الرسلِ المتقدِّمة، ويعني بذلك: غالبَ الرسل


(١) الكِبَر: جمع كِبْر، وهو الطَّبل. ويجب إتلاف الطبل وكَسره في غير الحرب.
(٢) جزء من حديث رواه البخاري (٥٧٠٥)، ومسلم (٢٢٠)، والترمذي (٢٤٤٨) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>