للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعدها (١). فإن فيهما: أن بريرة كان لها زوج حين أعتقت، وأن زوجها كان عبدًا. ومقتضى هذا الحديث بقيوده مجمعٌ عليه؛ وهو: أن الأمة ذات الزوج العبد إذا أُعتِقت مخيرةٌ في الرِّضا بالبقاء مع زوجها أو مفارقته؛ لشرف الحرّية الذي حصل لها على زوجها، ولدفع مضرَّة المعرَّة اللاحقة لها بملك العبد لها. ولَمَّا كان هذا راجعًا لحقها، لا لحق الله تعالى: خيّرها الرسول صلى الله عليه وسلم في أن تأخذ بحقها فتفارقه، أو تسقطه؛ فترضى بالمقام معه. وعلى هذا: فلو كان زوجها حرًّا لم يكن لها خيار للمساواة بينهما، ولنفي الضرر اللاحق بها. هذا مذهب جمهور العلماء. وقد شذَّ أبو حنيفة، فأثبت لها الخيار، وإن كان زوجها حرًّا؛ متمسِّكًا بما قال الحكم (٢): إن زوج بريرة كان حرًّا (٣)، وكذلك قال الأسود. وكلاهما لا يصح. قال البخاري: إن قول الحكم مرسل، وقول الأسود منقطع، قال: وقول ابن عباس: (كان عبدا) أصح. وكذلك رواه جماعة عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة: أنه كان عبدًا. وهو الصحيح عنها. وقد تمسَّك أيضًا أبو حنيفة بما تخيَّله من أن علَّة تخيير بريرة كونها كانت مجبورة على النكاح، فلما عتقت ملكت نفسها. وهو مطالب بدليل اعتبار هذه العلَّة. وقد يتمسَّكون في ذلك بزيادة في حديث بريرة غير ثابتة فيه، ولا مشهورة. وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة: (ملكت نفسك فاختاري) ولو سلمنا صحتها، لكن لا نسلم: أن الفاء هنا للتعليل، بل هي لمجرد العطف، سلمنا أنها ظاهرة فيه، لكن عندنا الإجماع على عدم اعتبار تلك العلَّة في ولاية الإجبار على الأصاغر. وذلك: أنهم يلزمهم ما عقد عليهم في حال صغرهم ذكرانًا كانوا أو إناثًا إذا زال حجرهم، واستقلوا بأنفسهم، ولا خيار يثبت بالإجماع.


(١) في (ج): بعد.
(٢) هو الحكم بن عتيبة.
(٣) انظر: فتح الباري (١٢/ ٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>