ومعنى الحديث عند الجمهور: أنَّ الولد لَمَّا تسبب إلى عتق أبيه باشترائه إيَّاه: نسب الشرع العتق إليه نسبة الإيقاع منه. ودل على صحة هذا التأويل فهم معنى الحديث والتنزيل.
وأما اختلاف العلماء فيمن يعتق بالملك. فوجه القول الأول والثاني: إلحاق القرابة القريبة المحرمة بالأب المنصوص عليه في الحديث، ولا أقرب للرجل من أبيه؛ فيحمل على الأب، والأخ يقاربه في ذلك؛ لأنه يُدلِي بالأبوَّة، فإنه يقول: أنا ابن أبيه.
وأما القول الثالث: فمتعلقه الحديث الثابت في ذلك؛ الذي خرَّجه أبو داود والترمذي من طرق متعددة. وأحسن طرقه: ما خرَّجه النسائي في كتابه من حديث ضمرة، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ملك ذا رحم محرم فقد عتق)(١).
قلت: وهذا الحديث ثابت بنقل العدل عن العدل، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بعلة توجب تركه. غير أن بعضهم قال: تفرد به ضمرة. وهذا لا يلتفت إليه، لأن ضمرة عدل، ثقة. وانفراد الثقة بالحديث لا يضره على ما مهَّدناه في الأصول، فلا ينبغي أن يعدل عن هذا الحديث. بل: يجب العمل به لصحته سندًا، ولشهادة الكتاب له معنى. وذلك: أن الله عز وجل قد قال: {وَاعبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالوَالِدَينِ إِحسَانًا وَبِذِي القُربَى} وليس من الإحسان إلى الأبوين، ولا للقرابة استرقاقهم، فإن نفس الاسترقاق، وبقاء اليد على المسترق إذلال له وإهانة. ولذلك فسخنا على النصراني شراءه للمسلم على رواية، ولم نبق ملكه عليه في الأخرى. وإذا ثبت أن بقاء الملك إذلال، وإهانة؛ وجبت إزالته ورفعه عن الآباء والقرابة؛ لأنه نقيض الإحسان؛ الذي أمر الله به.
فإن قيل: فهذا يلزم في القرابات كلّهم وإن بعدوا؛ قلنا: هذا يلزم من مطلق القرآن. لكن النبي صلى الله عليه وسلم قد