للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ورابعها: أن اللبن غلَّة، فيكون للمشتري كسائر المنافع، فإنها لا تردُّ في الردّ بالعيب. ولما كان ذلك، فالحديث وإن كان صحيحًا؛ فإما منسوخ بقوله: (الخراج بالضمان) (١) وإما مرجوح بهذه القواعد المخالفة له، فإنها قواعد كلية قطعية. ولو لم يكن كذلك فالقياس مقدَّم عند أبي حنيفة، وكثير من الكوفيين، وهو قول مالك في العتبية، وفي مختصر ابن عبد الحكم.

والجواب عن السبب الأول: أنه لا معارضة بينهما؛ لأنا لا نسلم أن اللبن خراج سَلَّمناه. لكنه إذا نشأ على ضمان المشتري، ولبن المصراة نشأ على ضمان البائع؛ فإنَّه كان موجودًا في الضرع حالة التبايع سلّمناه. لكن حديث المصرَّاة خاصٌّ، وحديث الخراج بالضمان عام. ولا معارضة بينهما، لأن الجمع بينهما ممكن بأن يُبنى العام على الخاص. وهو الصحيح على ما مهدناه في أصول الفقه. وحينئذ يبطل قول من زعم: أن حديث المصراة منسوخ بحديث: (الخراج بالضمان). سلمنا المعارضة، لكن المتقدم منهما من المتأخر مجهول، فلا يصح الحكم بالنسخ لعدم العلم بالتاريخ.

والجواب عن السبب الثاني: أن حديث المصرَّاة أصل منفرد بنفسه، مستثنى من تلك القواعد، كما قد استثني ضرب الدِّية على العاقلة، ودية الجنين، والعرية (٢)، والجعل، والقراض، عن أصول ممنوعة، لدعاء الحاجة إلى هذه المستثنيات، ولحصول مصالح خاصة منها. وبيانه في مسألة المصراة: أن الشرع إنما ضمن لبنها بالصاع دفعًا للخصام، وسدًّا لذريعة المنازعة لتعذُّر ضبط مقدار اللبن، فإنه يختلف بالكثرة والقلة، ولتعذر تمييز اللبن الكائن في الضرع من الحادث. وخصَّه بالطعام؛ لأنه قوت كاللبن، وبالتَّمر؛ لأنه أغلب قوتهم، ووصفه


(١) هو الحديث السابق.
(٢) "بيع العرايا": هو بيع الرُّطَبِ على النخل خرصًا بتمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>