للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نهبى، كما قال: وَأَصَبنَا نَهبَ إِبِلٍ (١)، أي: غنيمةَ إبل؛ لأنَّها تؤخذُ من غير تقدير، يقولُ العرب: أَنهَبَ الرجلُ مالَهُ فانتهبُوهُ ونَهَبُوهُ وناهبوه؛ قاله الجوهريُّ.

وذَاتَ شَرَفٍ، أي: ذاتَ قَدرٍ ومالٍ ورفعة، والروايةُ الصحيحةُ بالشين المعجمة، وقد رواه الحربي: سَرَفٍ بالسين المهملة، وقال: معناه: ذاتَ مقدارٍ كثير ينكره الناس؛ كنَهبِ الفُسَّاق في الفِتَنِ الماَل العظيمَ القَدرِ مما يستعظمُهُ الناس، بخلافِ التمرةِ والفَلسِ وما لا خطَرَ له.

ومقصودُ هذا الحديثِ: التنبيهُ على جميع أنواعِ المعاصي، والتحذيرُ منها: فنبَّه بالزِّنَى على جميع الشهواتِ المحرَّمة؛ كشهوةِ النَّظَرِ، والكلامِ والسمعِ، ولمسِ اليد، ونَقلِ الخُطَا إلى مثلِ تلك الشهوة؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: زِنَى العَينين النظرُ، وزِنَى اللسانِ الكلامُ، وزِنَى اليدِ البَطشُ، وزِنَى الرِّجلِ الخُطَا، والفَرجُ يصدِّقُ ذلك أو يكذِّبه (٢). ونَبَّه بالسَّرِقَةِ على اكتسابِ المال بالحِيَلِ الخفيَّة، وبالنَّهبِ على اكتسابه على جهةِ الهَجمِ والمغالبة، وبالغلول: على أَخذِهِ على جهة الخيانة؛ هذا ما أشار إليه بعضُ علمائنا.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: وهذا تنبيهٌ لا يتمشَّى إلَاّ بالمسامحة، وأولَى منه أن يقال: إن الحديثَ يتَضَمَّنَ التحذيرَ عن ثلاثةِ أمور، وهي مِن أعظمِ أصول المفاسد، وأضدادُهَا مِن أُصولِ المصالح، وهي استباحةُ الفروجِ المحرَّمةِ، والأموالِ المحرَّمة، وما يُؤَدِّي إلى الإخلال بالعقول، وخَصَّ بالذِّكر أغلبَ الأوجه حرمة التي يؤخذ بها مال الغير بغير الحق، وظاهرُ هذا الحديث: حُجَّةٌ للخوارجِ والمعتزلةِ وغيرهم ممَّن يُخرِجُ عن الإيمانِ بارتكابِ الكبائر، غيرَ أنَّ أهلَ السنة


(١) رواه البخاري (٥٥٠٩)، ومسلم (١٩٦٨).
(٢) رواه البخاري (٦٢٤٣)، ومسلم (٢٦٥٧)، وأبو داود (٢١٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>