للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وهو مُؤمِنٌ، وَلَا يَغُلُّ حِينَ يَغُلُّ وهو مُؤمِنٌ،

ــ

يعارضونهم (١) بظواهرَ أُخَرَى أولى منها، كقولِهِ - عليه الصلاة والسلام - في حديث أبي ذَرٍّ: مَن مات لا يُشرِكُ بالله شيئًا، دَخَلَ الجنةَ وإن زنَى وإِن سرَقَ (٢). وكقوله في حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصامت: ومَن أصاب شيئًا مِن ذلك - يعني: مِنَ القتلِ والسَّرق والزنى - فعُوقِبَ به، فهو كَفَّارةٌ له، ومَن لم يُعَاقَب، فأمرُهُ إلى الله؛ إن شَاءَ عفا، وإن شَاءَ عَذَّبَهُ (٣). ويعضُدُ هذا قولُهُ تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ، ونَحو هذا في الأحاديثِ كثيرٌ.

ولمَّا صحَّت هذه المعارضةُ، تعيَّن تأويلُ تلك الأحاديثِ الأُوَلِ وما في معناها، وقد اختلَفَ العلماءُ في ذلك؛ فقال حَبرُ القرآنِ عبد الله بنُ عبَّاس: إنَّ ذلك محمولٌ على المستحِلِّ لتلك الكبائر. وقيل: معنى ذلك: أنَّ مرتكبَ تلك الكبائرِ يُسلَبُ عنه اسمُ الإيمانِ الكاملِ أو النافعِ، الذي يفيدُ صاحبَهُ الانزِجَارَ عن هذه الكبائر.

وقال الحسن: يُسلَبُ عنه اسمُ المدح الذي سمَّي به أولياءُ اللهِ المؤمنون، ويَستَحِقُّ اسمَ الذمِّ الذي سمَّي به المنافقون والفاسقون.

وفي البخاري: عن ابن عبَّاس: يُنزَعُ منه نُورُ الإيمان (٤). ورَوَى في ذلك حديثًا مرفوعًا، فقال: مَن زَنَى، نزَعَ اللهُ نُورَ الإيمانِ مِن قلبه، فإن شاء أن يَرُدَّهُ إليه، رَدَّهُ (٥).

قال المؤلف رحمه الله تعالى: وكُلُّ هذه التأويلاتِ حسنةٌ، والحديثُ قابلٌ لها، وتأويلُ ابن عبَّاس هذا أحسنُهَا.


(١) في (ع): تعارضهم.
(٢) رواه أحمد (٥/ ١٥٩)، والبخاري (١٢٣٧)، ومسلم (٩٤)، والترمذي (٢٦٤٦).
(٣) رواه البخاري (١٨)، ومسلم (١٧٠٩)، والترمذي (١٤٣٩)، والنسائي (٧/ ١٦١).
(٤) رواه البخاري (١٢/ ٥٨) تعليقًا.
(٥) رواه أبو جعفر الطبري من حديث ابن عباس مرفوعًا. (فتح الباري ١٢/ ٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>