رواه أحمد (٢/ ١٤٩)، والبخاري (٢٣٣٨)، ومسلم (١٥٥١)(٦) وأبو داود (٣٠٠٨)، وابن ماجه (٢٤٦٧).
* * *
ــ
على جواز المساقاة إلى أجل مجهول. وجمهور الفقهاء: مالك، والشافعي، والثوري، وأكثر علماء المدينة: على أنها لا تجوز إلا لأمد معلوم. وقالوا: إن هذا الكلام جواب لما طلبوه حين أراد إخراجهم منها. وقولهم له: على أن نكفيكم العمل، إنما كان منهم على سبيل إظهار المصلحة المرغبة في إبقائهم في تلك البلاد، فكأنهم قالوا: إبقاؤنا فيها أنفع لكم من إخراجنا؛ لأنا نكفيكم مؤونة العمل في أرضكم، وتأخذون نصف ما يخرج منها، فإن أخرجنا بقيت الأرض أو غالبها لا عامر لها. فلما فهمت المصلحة أجابهم إلى الإبقاء، ووقفه على مشيئته. وبعد ذلك عاملهم على عقد المساقاة، والله تعالى أعلم.
وقد دلَّ على ذلك قول ابن عمر رضي الله عنه:(عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على شطر ما يخرج منها). فأفرد العقد بالذكر دون ذكر الصلح على الإبقاء. فإن قيل: فلم ينصّ ابن عمر على مدَّة معلومة، لا هو ولا غيره ممن روى القصة، فمن أين يشترط الأجل؛ فالجواب: أن الإجماع قد انعقد على منع الإجارة المجهولة فيما من شأنه أن يعرف العمل فيه بالزمان.
والمساقاة من باب الإجارة، لكن اغتُفِرَت فيها حالة جهالة مقدار ما يحصل من الأجرة. وهذا موضع الرخصة الخاصة بها، فاستثني جواز ذلك، وبقي تعيين الزمان على أصله من وجوب المراعاة. فإن قيل: لا نسلم أنها من باب الإجارة، بل هي أخت القراض، وهو أصلها، كما قدمتم. والقراض لا يحتاج إلى ضرب مدة، فكذلك المساقاة. فالجواب: أن المساقاة، وإن أشبهت القراض (١)، فيما ذكرناه، غير أنها تفارقه من وجه آخر؛ وهو: أن الفائدة الحاصلة منها مقيدة في العادة بالزمان؛ إذ الغالب من