للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حضر وغاب، وممن يأتي بعد، تمسكًا بفعل عمر ـ رضي الله عنه ـ في أرض العراق والشام ومصر، فإنه أقرها، ولم يقسمها، واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعدِهِم} وتأول عطفه على قوله: {لِلفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ} وذهب الكوفيون إلى تخيير الإمام في قسمتها، أو إقرارها بأيدي أهلها، وتوظيف الخراج عليها، وتصييرها ملكًا لهم كأرض الصلح.

فإن قيل: فكيف يرفع فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعمله بمقتضى عموم الآية بقول عمر وفعله؟ فالجواب: أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي فعله في قسم خيبر ليس على جهة التحتيم الذي لا يجوز غيره، وإنما هو أحد الوجهين الجائزين. غير أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر له: أن الأولى قسمتها في ذلك الوقت، لشدَّة حاجة أولئك الغانمين. ولما كان زمن عمر ـ رضي الله عنه ـ اتسعت أموال المسلمين لكثرة الفتوحات عليهم؛ فرأى: أن إيقافها لمصالح المسلمين أولى من قسمتها (١)، وتابعه على ذلك أهل عصره، ولم يخالفه أحد من الصحابة، فصار كالإجماع على صحة ما فعل وجوازه. وعند هذا يظهر: أن الأولى قول الكوفيين؛ الذي هو التخيير؛ لأنه جمع بين الأمرين. وهو الذي فهمه عمر ـ رضي الله عنه ـ قطعًا. ولذلك قال عمر ـ رضي الله عنه ـ فيما رواه عنه مالك (٢): لولا أن أترك آخر الناس لا شيء لهم ما افتتح المسلمون قرية إلا قسمتها سهمانًا، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانًا. فلم يخبر بنسخ فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا بتخصيصه بهم. فلم يبق إلا ما ذكرناه. غير أن الكوفيين زادوا على ما فعل عمر. فإن عمر إنما وقفها على مصالح المسلمين، ولم يملكها لأهل الصلح، وهم قالوا للإمام أن يملكها أهل الصلح. وأما من لم يسلك هذه الطريقة فيلزمه: إما نسخ


(١) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(٢) رواه البخاري (٢٣٣٤)، وأبو داود (٣٠٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>