مضرة، فلا منفعة فيها. وأما المأذون في اتخاذها: فهل تناولها عموم هذا النهي، أم لا؟ فذهب الشافعي، والأوزاعي، وأحمد: إلى تناوله لها. فقالوا: إن بيعها محرّم، ويفسخ إن وقع، ولا قيمة لما يقتل منها، واعتضد الشافعي لذلك: بأنها نجسة عنده. ورأى أبو حنيفة: أنه لا يتناولها؛ لأن فيها منافع مباحة يجوز اتخاذها لأجلها، فتجوز المعاوضة عليها، ويجوز بيعها. وجل مذهب مالك على جواز الاتخاذ، وكراهية البيع، ولا يفسخ إن وقع. وقد قيل عنه مثل قول الشافعي. وقال ابن القاسم: يكره للبائع، ويجوز للمشتري للضرورة. وكأن مالكا رحمه الله في المشهور: لما لم يكن الكلب عنده نجسًا، وكان مأذونًا في اتخاذه لمنافعه الجائزة؛ كان حكمه حكم جميع المبيعات. لكن الشرع نهى عن بيعه تنزيها؛ لأنَّه ليس من مكارم الأخلاق. فإن قيل: فقد سوى النبي صلى الله عليه وسلم بين ثمن الكلب، وبين مهر البغي، وحلوان الكاهن في النهي عنها. والمهر والحلوان محرمان بالإجماع، فليكن ثمن الكلب كذلك.
فالجواب: إنَّا كذلك نقول. لكنه محمولٌ على الكلب الغير مأذون فيه. ولئن سلمنا: أنَّه متناول للكل، لكن هذا النهي ها هنا قصد به القدر المشترك الذي بين التحريم والكراهة؛ إذ كل واحد منهما منهي عنه. ثم تؤخذ خصوصية كل واحد منهما من دليل آخر، كما قد اتفق هنا فإنا إنما علمنا تحريم مهر البغي، وحلوان الكاهن بالإجماع، لا بمجرد النهي سلمنا ذلك، لكنا لا نسلم: أنه يلزم من الاشتراك في مجرد العطف الاشتراك في جميع الوجوه؛ إذ قد يعطف الأمر على النهي، والإيجاب على النفي. وإنما ذلك في محل (١) مخصوص، كما بيناه في أصول الفقه.