أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب، ولا يبع) يعني بالآية: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ} الآية، وسيأتي الحديث عليها.
ويعني بقوله:(من أدركته) أي: من بلغته وهو بصفات المكلفين من العقل والبلوغ. وقد فهمت الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ من نهيه عن الشرب والبيع: أنها لا ينتفع بها بوجه من الوجوه، ولذلك بادروا إلى إراقتها، وإتلافها. ولو كان فيها منفعة من المنافع الجائزة لنبَّه النبي صلى الله عليه وسلم عليها، كما نبَّه على ما في جلد الميتة من المنفعة؛ لما قال:(هلَاّ أخذتم إهابها فدبغتموه، فانتفعتم به)(١) وعلى هذا: فلا يجوز تخليلها، ولا أن تعالج بالملح والسَّمك فيصنع منها المُري. وإلى مَنع ذلك ذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم. وحكي جواز تخليلها عن أبي حنيفة، والأوزاعي، والليث. وقد دلَّ على فساد هذا ما ذكرناه آنفًا، وما يأتي من نهيه عن اتخاذ الخمر خلاًّ. وسيأتي مزيد بيان على هذا.
قال القاضي عياض: وفي هذا أيضًا: منع الانتفاع بها للتداوي، وغير ذلك من العطش عند عدم الماء، ولتجويز لقمة غص بها. وهو قول مالك، والشافعي، وغيرهم. وأجاز ذلك أبو حنيفة، وأحمد. وقاله بعض أصحابنا. وروي عن الشافعي: جوازه أيضًا إذا خاف التلف، وقاله أبو ثور.
قلت: وإذا امتنع الانتفاع بها مطلقا فلا يصح تملكها لمسلم، ولا تقر في يديه، بل تتلف عليه. ويجب ذلك عليه. ويتلفها الوصي على اليتيم. وقد ذكر ابن
(١) رواه البخاري (١٤٩٢)، ومسلم (٣٦٣/ ١٠١)، وأبو داود (٤١٢٠)، والنسائي (٧/ ١٧١)، وابن ماجه (٣٦١٠).