للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إن الذي اقتضى تحريم شربها اقتضى تحريم بيعها؛ إذ لا تراد إلا للشرب، فإذا حرم الشرب لم يجز البيع؛ لأنه يكون من أكل المال بالباطل. وقد دلَّ على صحة هذا قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله إذا حرَّم على قوم شيئًا حرَّم عليهم ثمنه) يعني: شيئًا يؤكل، أو يشرب؛ لأن ذلك هو السبب الذي خرج عليه الحديث، ويلحق به كل محرَّم نجس لا منفعة فيه.

واختلف في جواز بيع ما فيه منفعة منها، كالأزبال، والعذرة. فحرم ذلك الشافعي، ومالك، وجُلّ أصحابنا. وأجاز ذلك الكوفيون، والطبري. وذهب آخرون: إلى إجازة ذلك للمشتري دون البائع. ورأوا: أن المشتري أعذر من البائع؛ لأنه مضطر إلى ذلك. روي ذلك عن بعض أصحابنا. وهي قولة عن الشافعي.

وقد فهم الجمهور من تحريم الخمر وبيعها، والمنع من الانتفاع بها، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرِّجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكمَ بنجاستها. وخالفهم في ذلك ربيعة وحده من السلف فرأى (١): أنها طاهرة، وأن المحرَّم إنما هو شربها. وهو قول شاذ يردُّه ما تقدَّم. وما كان يليق بأصول ربيعة، فإنه قد علم: أن الشرع قد بالغ في ذم الخمر حتى لعنها وعشرة بسببها (٢)، وأمر باجتنابها، وبالغ في الوعيد عليها. فمن المناسب بتصرفات الشرع الحكم بتنجيسها مبالغة في المباعدة عنها، وحماية لقربانها. فإن قيل: التنجيس حكم شرعي، ولا نصّ فيه، فلا يلزم من كون الشيء محرَّمًا أن يكون نجسًا؛ فكم من محرّم في الشرع ليس بنجس.


(١) في (م) و (ج ٢) وحكي ذلك عن الليث بن سعد، والمزني من أصحاب الشافعي، فرأوا.
(٢) في هذا إشارة إلى حديث: "لعن اللهُ في الخمر عشرة. . ." رواه الترمذي (١٢٩٥)، وابن ماجه (٣٣٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>