للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عِندَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيهِم شُحُومَهَا

ــ

فإنه قد أجاز الانتفاع بما ماتت فيه ميتة من المائعات؛ كالزيت، والسمن، والعسل، وغير ذلك، مع الحكم بنجاسته. فقال: يعمل من الزيت النجس الصابون، ويستصبح به في غير المساجد. ويعلف العسلُ النحلَ. ويطعم النجس الماشية. وإلى نحو ذلك ذهب الشافعي، والثوري، وأبو حنيفة. وروي عن علي وابن عمر. وقد فَرَّق بعض أهل العلم بين شحوم الميتة، وبين ما ينجس بما وقعت فيه نجاسة. فقال: لا ينتفع بالشحوم؛ لأنها نجسة لعينها، بخلاف ما ينجس بما وقع فيه، فإنه ينتفع به؛ لأن نجاسته ليست لعينه، بل عارضة.

قلت: وهذا الفرق ليس بصحيح. فإن النجاسة حكم شرعي. والأحكام الشرعية ليست صفات للأعيان، بل هي راجعة لقول الشارع: افعلوا، أو لا تفعلوا. كما قد حققناه في الأصول (١). ولو سلمناه لقلنا: إن النجاسة العينية قد اختلطت مع العارضة ولا مميز، فحكمهما سواء.

فإن قيل: فكيف يجوز أن يقال بجواز الانتفاع بشيء من ذلك، وفي الحديث الصحيح: (إذا وقعت الفأرة في السَّمن، فإن كان جامدًا فألقوها وما حولها، وإن كان مائعًا فلا تقربوه) (٢). والانتفاع بها قربان لها فلا يجوز؟ ! ثم في الانتفاع بها التلطخ بها عند مباشرتها، ولا يجوز التلطخ بالنجاسات شرعا.

فالجواب: القول بموجب ما ذكر. فإن القرب المنهي عنه إنما هو الأكل؛ بدليل قوله في أول الحديث: (إن كان جامدًا فألقوها، وكلوه) وفي بعض طرقه: (وكلوا سمنكم) ثم قال بعد هذا: (وإن كان مائعًا فلا تقربوه) أي: بأكل. وأيضًا: فقد قررنا في أصول الفقه: أن الشرع إذا نهى عن شيء، وأوقع نهيه عليه، فإنما يعني به: النهي


(١) في (ج ٢): أصول الفقه.
(٢) رواه أحمد (٢/ ٢٣٢ و ٢٦٥ و ٤٩٠)، وأبو داود (٣٨٤٢). وانظر: "بلوغ المرام" لابن حجر رقم (٨٠٧) طبعة دار ابن كثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>