للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِالوَرِقِ إِلَّا مِثلًا بِمِثلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعضَهَا عَلَى بَعضٍ، وَلَا تَبِيعُوا شَيئًا غَائِبًا مِنهُ بِنَاجِزٍ إِلَّا يَدًا بِيَدٍ.

ــ

تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز). وفي اللفظ الآخر: (إلا وزنًا بوزن، مثلًا بمثل، سواء بسواء) وفي رواية: (يدًا بيد) وفي أخرى: (إلا هاء وهاء) وغير ذلك مما في هذا الباب.

فهذه نصوصٌ مؤكدة، وألفاظ متعددة، تفيد: أن تحريم التفاضل كتحريم النَّساء، ويستوي في ذلك أنواع كل جنس منها، فلا يلتفت للخلاف في ذلك. وسيأتي القول إن شاء الله تعالى على قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الربا في النسيئة) (١) ثم اختلف العلماء: هل هذا الحكم معلل بعلة، أو ليس معللًا؟ فنفاة القياس منعوا ذلك على أصلهم في نفي التعليل مطلقا. وممن قال بهذا القول: داود وأتباعه. وقد تابعهم على نفي تعليل هذا الحكم بعض من قال بالقياس. بناء على أنه لم يجد دليلًا عليه، أو: على أنه لم يجد لعلَّة ذلك فرعًا يلحقه بها. فتكون العلَّة قاصرة، ولا يعلل بالعلة القاصرة. وهو مذهب أبي حنيفة. وذهب مالك والشافعي وأتباعهما إلى تعليل ذلك الحكم بكونها أثمانًا. وهل هو معلل بمطلق الثمنية، فيلحق بذلك كلما يكون ثمنًا كالفلوس، والجلود المطبوعة إذا تُعُومل بها، أو بثمنية تكون رءوس الأثمان، وقيمًا للمتلفات غالبًا، فتخرج الفلوس، وغيرها منهما؟ قولان لأصحابنا. والذي حمل المعللين على القول بالتعليل التمسك بالقاعدة الكلية: إن الشرع جاء باعتبار المصالح. والمصلحة لا تعدو أوصاف المحل. وقد سبرنا أوصافه، فلم نجد أولى من هذا، فتعين أن يكون هو العلَّة. وقد حققنا هذه الأصول في الأصول، فلتنظر هنالك.

و(قوله: ولا تشفوا بعضها على بعض) أي: لا يكن لأحدهما شفوف على


(١) رواه مسلم (١٥٩٦) (١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>