يمكن أن يصل إليه بعض الناس، فمن ظفر به فهو المصيب كما بيناه في الأصول.
و(قوله: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه) أي: من ترك ما يشتبه عليه سلم دينه مما يفسده، أو ينقصه. وعرضه مما يشينه، ويعيبه، فيسلم من عقاب الله وذمِّه. ويدخل في زمرة المتقين الفائزين بثناء الله تعالى وثوابه، لكن لا يصحّ اتقاء الشبهات حتى تعرف، ومعرفتها على التعيين والتفصيل يستدعي فصل تطويل، لكن نعقد فيه عقدًا كليًّا إن شاء الله تعالى عن التفصيل مُغنيًا، فنقول:
المكلف بالنسبة إلى الشرع: إما أن يترجح فعله على تركه، أو تركه على فعله، أو لا يترجح واحد منهما. فالراجح الفعل أو الترك؛ إما أن يجوز نقيضه بوجه ما، أو لا يجوز نقيضه. فإن لم يجز نقيضه فهو المعلوم الحكم من التحليل، كحِلِّيةِ لحوم الأنعام. أو من التحريم؛ كتحريم الميتة والخنزير على الجملة. فهذان النوعان هما المرادان بقوله:(الحلال بيِّن، والحرام بيِّن). وأما إن جوز نقيض ما ترجَّح عنده: فإمَّا أن يكون ذلك التجويز (١) بعيدًا لا مستند له أكثر من توهم، وتقدير: فلا يلتفت إلى ذلك، ويُلغى بكل حال. وهذا كترك النكاح من نساء بلدة كبيرة مخافة أن يكون له فيها ذات محرم من النسب أو الرِّضاع. أو كترك استعمال ماء باق على أوصافه في فلاة من الأرض مخافة تقدير نجاسة وقعت فيه، أو كترك الصلاة على موضع لا أثر، ولا علامة للنجاسة فيه، مخافة أن يكون فيها بول قد جف. أو كتكرار غسل الثوب مخافة طروء نجاسة لم يشاهدها. إلى غير ذلك مما في معناه. فهذا النوع يجب ألا يلتفت إليه، والتوقف لأجل ذلك التجويز هَوَسٌ. والورع فيه وسوسة شيطانية؛ إذ ليس فيه من معنى الشبهة شيء، وقد دخل الشيطان على كثير من أهل الخير من هذا الباب، حتى يُعطِّل عليهم واجبات، أو يُنقص ثوابها لهم. وسبب الوقوع في ذلك عدم العلم بالمقاصد الشرعية، وأحكامها.