للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَن وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الحَرَامِ، كَالرَّاعِي حَولَ الحِمَى يُوشِكُ أَن يَرتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ،

ــ

و(قوله: ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) وذلك يكون بوجهين:

أحدهما: أن من لم يتق الله تعالى، وتجرَّأ على الشبهات، أَفضَت به إلى المحرمات بطريق اعتياد الجرأة، والتساهل في أمرها، فيحمله ذلك على الجرأة على الحرام المحض؛ ولهذا قال بعض المتقين: الصغيرة تجر إلى الكبيرة. والكبيرة تجر إلى الكفر. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (المعاصي بريد الكفر) (١). وهو معنى قوله تعالى: {كَلا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ}

وثانيهما: أن من أكثر من مواقعة الشبهات أظلم عليه قلبه، لفقدان نور العلم، ونور الورع، فيقع في الحرام، ولا يشعر به. وإلى هذا النور الإشارة بقوله تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدرَهُ لِلإِسلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ} وإلى ذلك الإظلام الإشارة بقوله: {فَوَيلٌ لِلقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِن ذِكرِ اللَّهِ}

و(قوله: كالرَّاعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لمحارم الله تعالى. وأصله: أن ملوك العرب كانت تحمي مراعي لمواشيها الخاصة بها، وتُحرَّجُ بالتوعد بالعقوبة على من قربها. فالخائف من عقوبة السلطان يَبعُد بماشيته من ذلك الحمى؛ لأنه إن قرب منه فالغالب الوقوع، وإن كثر الحذر؛ إذ قد تنفرد الفاذة (٢)، وتشذ الشاذة ولا تنضبط، فالحذر أن يجعل بينه وبين ذلك الحمى مسافة بحيث يأمن فيها من وقوع الشاذة والفاذة. وهكذا محارم الله تعالى، لا ينبغي أن يحوم حولها مخافة الوقوع فيها على الطريقتين المتقدمتين.


(١) قال في كشف الخفاء (حديث ٢٣١٧): قال ابن حجر المكي في "شرح الأربعين": أظنه من قول السلف. وقيل: إنه حديث.
(٢) أي: المنفردة.

<<  <  ج: ص:  >  >>