للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الالتفات نشأ من القول: بأن المصيب واحد. وهو مشهور قول مالك. ومنه ثار القول في مذهبه بمراعاة الخلاف. كما بينَّاه في الأصول. غير أن تلك التجويزات المعتبرة -وإن كانت مرجوحة - فهي على مراتب في القرب والبعد، والقوة والضعف. وذلك بحسب (١) الموجب لذلك الاعتبار. فمنها ما يوجب حزازة في قلب المتقي (٢)، ومنها ما لا يوجب ذلك. فمن لم يجد ذلك، فلا ينبغي له أن يتوقف؛ لأنه يلتحق ذلك بالقسم الأول عنده. ومن وجد ذلك توقف وتورَّع وإن أفتاه المفتون بالرَّاجح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به البأس) (٣). وهنا يصدق قولهم: استفت قلبك وإن أفتوك. لكن هذا إنما يصح ممن نوَّر الله قلبه بالعلم، وزين جوارحه بالورع، بحيث يجد للشبهة أثرًا في قلبه. كما يحكى عن كثير من سلف هذه الأمة، كما نقل عنهم في الحلية (٤) وصفة الصفوة (٥)، وغيرهما من كتب ذلك الشأن.

وأما إن لم يترجح الفعل على الترك، ولا الترك على الفعل: فهذا هو الأحق (٦) باسم الشبهة، والمتشابه؛ لأنه فد تعارضت فيه الأشباه. فهذا النوع يجب فيه التوقف إلى الترجيح، لأن الإقدام على أحد الأمرين من غير رجحان حكم بغير دليل. فيحرم، إذ لا دليل مع التعارض. ولعل الذي قال: إن الإقدام على الشبهة حرام؛ أراد هذا النوع. والذي قال: إن ذلك مكروه؛ أراد النوع الذي قبل هذا، والله تعالى أعلم.


(١) في (ل ١) و (م): بسبب.
(٢) في (ل ١): المفتي.
(٣) رواه الترمذي (٢٤٥١)، وابن ماجه (٤٢١٥).
(٤) هو كتاب: حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني (ت ٤٣٠ هـ).
(٥) هو كتاب: صفة الصفوة، لابن الجوزي (ت ٥٩٧ هـ).
(٦) في (ل ١) و (م): اللاحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>