للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما سُمِّي القلب إلا من تقلبه ... فاحذر على القلبِ من قلبٍ وتَحوِيلِ (١)

ثم لما نقلت العرب هذا المصدر لهذا العضو التزمت فيه تفخيم قافه؛ تفريقًا بينه وبين أصله، وليحذر اللبيب من سرعة انقلاب قلبه؛ إذ ليس بين القلب والقلب إلا التفخيم، وما يعقلها إلا كل ذي فهم مستقيم.

ثم اعلم: أن الله خص جنس الحيوان بهذا العضو المسمى: بالقلب، وأودع فيه المعنى الذي تنتظم به المصالح المقصودة من ذلك النوع، فتجد البهائم تدرك مصالحها ومنافعها، وتميز بين مفاسدها ومضارها مع اختلاف أشكالها، وصورها، إذ منها ما يمشي على بطنه، ومنها ما يمشي على أربع، ومنها ما يطير بجناحيه. ثم خص الله تعالى من بين سائر الحيوان نوع الإنسان؛ الذي هو المقصود الأول من الكونين، والمعني في العالمين بهذا القلب المخصوص المشتمل على هذا المعنى المخصوص، الذي به تميز الإنسان. ووقع به بينه وبين سائر الحيوانات الفرقان. وهو المعنى الذي به يفهم القلب المفهومات، ويحصل به على معرفة الكليات والجزئيات، ويعرف به فرَّق ما بين الواجبات والجائزات والمستحيلات. وقد (٢) أضاف الله تعالى العقل إلى القلب، كما أضاف السمع إلى الأذن، والإبصار إلى العين. فقال تعالى: {أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بِهَا أَو آذَانٌ يَسمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} وهو ردٌّ على من قال من أهل الضلال: إن العقل في الدماغ. وهو قول من زل عن الصواب، وزاغ. كيف لا، وقد أخبرنا عن محلّه خالقه القدير: {أَلا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ} وقد روي ذلك عن أبي حنيفة، وما أظنها عنه معروفة.


(١) ورد في اللسان وتاج العروس كما يلي:
ما سُمِّي القلبُ إلا مِن تقلُّبه ... والرأيُ يصرف بالإنسان أطوارا
(٢) في (ج ٢): وبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>