للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإذا فهمت: أن الإنسان إنما شرَّفه الله تعالى على سائر الحيوان بهذا القلب، وأن هذا القلب لم يشرف من حيث صورته الشكلية، فإنها موجودة لغيره من الحيوانات البهيمية، بل من حيث هو مقرّ لتلك الخاصية الإلهية؛ علمت أنه أشرف الأعضاء، وأعزَّ الأجزاء؛ إذ ليس ذلك المعنى موجودًا في شيء منها. ثم إن الجوارح مسخرة له، ومطيعة، فما استقرَّ فيه ظهر عليها، وعملت على مقتضاه: إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. وعند هذا انكشف لك معنى قوله: (إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله). ولما ظهر ذلك وجبت العناية بالأمور التي يصلح بها القلب، ليتصف بها، وبالأمور التي تفسد القلب ليتجنبها. ومجموع ذلك علوم، وأعمال، وأحوال.

فالعلوم ثلاثة:

الأول: العلم بالله تعالى، وصفاته، وأسمائه، وتصديق رسله فيما جاءوا به.

والثاني: العلم بأحكامه عليهم، ومراده منهم.

والثالث: العلم بمساعي القلوب من خواطرها، وهمومها، ومحمود أوصافها، ومذمومها.

وأمَّا أعمال القلوب: فالتحلِّي بالمحمود من الأوصاف، والتخلِّي عن المذموم منها، ومنازلة المقامات، والترقي عن مفضول المنازلات إلى سَنِي الحالات.

وأما الأحوال: فمراقبة الله تعالى في السر والعلن، والتمكن من الاستقامة على السُّنن. وإلى هذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أن تعبد الله كأنك تراه) (١). وتفصيل هذه المعاقد الجملية توجد في تصانيف محققي الصوفية.


(١) رواه مسلم (٨)، وأبو داود (٤٦٩٥)، والترمذي (٢٦١٠)، والنسائي (٨/ ٩٧)، وابن ماجه (٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>