للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه:

الجوارح وإن كانت تابعة للقلب فقد يتأثر القلب بأعمالها، للارتباط الذي بين الباطن والظاهر. والقلب مع الجوارح كالملك مع الرَّعية؛ إن صلح صلحت، ثم يعود صلاحها (١) عليه بزيادة مصالح ترجع إليه. ولذلك قيل: الملك سوق، ما نفق عنده جلب إليه. وقد نصَّ على هذا المعنى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الرَّجل ليصدق فينكت في قلبه نكتة بيضاء، حتى يكتب عند الله صديقًا. وإن الرَّجل ليكذب الكذبة فيسودّ قلبه حتى يكتب عند الله كذابًا) (٢). وفي الترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا: (إن الرَّجل ليصيب الذنب، فيسودّ قلبه، فإن هو تاب صقل قلبه) قال: وهو الرَّان الذي ذكر الله تعالى في كتابه: {كَلا بَل رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُونَ} (٣) وقال مجاهد: القلب كالكف تقبض منه بكل ذنب أصبع، ثم يطبع. وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد) متصلًا بقوله: (الحلال بيِّن، والحرام بيِّن) إشعارًا بأن أكل الحلال ينوِّره، ويُصلحه، وأكل الحرام والشبهة يفسده، ويقسيه، ويظلمه. وقد وجد ذلك أهل الورع، حتى قال بعضهم: استسقيت جنديًا فسقاني شربة ماء، فعادت قسوتها على قلبي أربعين صباحًا. وقيل: الأصل المصحِّح للقلوب والأعمال: أكل الحلال. ويخاف على آكل الحرام، والمتشابه، ألا يقبل له عمل، ولا تسمع له دعوة. ألا تسمع قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} وآكل الحرام، المسترسل في الشبهات ليس بمتق على الإطلاق. وقد عضد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس! إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر


(١) في (ج ٢): تعود مصالحها.
(٢) رواه أحمد (٣/ ٨٧)، والترمذي (٢١٩١)، وابن ماجه (٤٠٠٧).
(٣) رواه الترمذي (٣٣٣٤)، وابن ماجه (٤٢٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>