للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم} وقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعمَلُوا صَالِحًا} ثم ذكر الرَّجل يطيل السفر أشعث أغبر، يقول: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟ ! (١)، ولَمَّا شرب أبو بكر جرعة لبن من شبهة استقاءها، فأجهده ذلك حتى تقيأها. فقيل له: أكل ذلك في شربة؟ ! فقال: والله! لو لم تخرج إلا بنفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به) (٢).

وعند هذا يعلم الواحد منا قدر المصيبة التي هو فيها، وعظم المحنة التي ابتلي بها؛ إذ المكاسب في هذه الأوقات قد فسدت، وأنواع الحرام والشبهات قد عمَّت، فلا يكاد أحدٌ منَّا اليوم يتوصل (٣) إلى الحلال، ولا ينفك عن الشبهات. فإن الواحد منَّا - وإن اجتهد فيما يعمله - فكيف يعمل فيمن يعامله، مع استرسال الناس في المحرمات والشبهات، وقلة من يتقي ذلك من جميع الأصناف، والطبقات، مع ضرورة المخالطة، والاحتياج للمعاملة. وعلى هذا: فالخلاص بعيد، والأمر شديد، ولولا النهي عن القنوط واليأس، لكان ذلك الأولى بأمثالنا من الناس. لكنَّا إذا دفعنا عن أنفسنا أصول المحرمات، واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشبهات، فعفو الله تعالى مأمول، وكرمه مرجوّ، فلا ملجأ إلا هو، ولا مفزع إلا إليه، ولا استعانة إلا به، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم.

تنبيه:

هذا الحديث أصل عظيم من أصول الشريعة. حتى لقد قال أبو داود: كتبت


(١) رواه مسلم (١٠١٥)، والترمذي (٢٩٩٢).
(٢) رواه الطبراني في الكبير (١٩/ ١٣٦).
(٣) فى (ع): يخلص.

<<  <  ج: ص:  >  >>