للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَجَاءَ سَيِّدُهُ يُرِيدُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: بِعنِيهِ. فَاشتَرَاهُ بِعَبدَينِ أَسوَدَينِ،

ــ

الأصل، حيث لم يظهر له ما يخرجه عن ذلك. ولو لم يكن الأمر كذلك لتعيَّن أن يسأله. وهذا أصل مالك في هذا الباب. فكل من ادعى ملك أحد من بني آدم كان مدفوعًا إلى بيان ذلك، لكن إذا ناكره المدعي رقَّه، وادعى الحرية، وسواءٌ كان ذلك المدَّعى رقُّه ممن كثر ملك نوعه، أو لم يكن. فإن كان في حَوز المدعي لرقِّه كان القول قوله؛ إذا كان حَوز رِقٍّ، فإن لم يكن فالقول قول المدَّعى عليه مع يمينه.

و(قوله: فجاء سيِّده يريده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعنيه) لم يرد في شيء من طرقه: أنه صلى الله عليه وسلم طالب سيِّده بإقامة بينة. فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم صحة ملكه له حين عرفَ سيِّده. ويحتمل أن يكون اكتفى بدعواه، وتصديق العبد له. فإن العبد بالغٌ عاقل، يُقبل إقراره على نفسه. ولم يكن للسيِّد من ينازعه، ولا يستحلف السيِّد، كما إذا ادعى اللقطة وعرف عفاصها (١)، ووكاءها، أخذها ولم يستحلف لعدم المنازع فيها.

و(قوله: فاشتراه منه بعبدين) هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى مكارم أخلاقه، ورغبة في تحصيل ثواب العتق، وكراهية أن يفسخ له عقد الهجرة. فحصل له العتق، وثبت له الولاء. فهذا المعتق مولى للنبي صلى الله عليه وسلم غير أنه لا يعرف اسمه.

وفيه دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلًا نقدًا. وهذا لا يختلف فيه. وكذلك في سائر الأشياء ما عدا ما يحرم التفاضل في نقده من الرِّبويات على ما قدمناه.

وأما بيع ذلك بالنسيئة ففيه تفصيل وخلاف نذكره. فذهب الكوفيون إلى منع ذلك في الحيوان. فلا يجوز عندهم فرس بفرسين. ولا شاة بشاتين مطلقا إلى أجل، اختلفت صفاتها أو اتفقت؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.


(١) عرف عفاصَها: أي وعاءَها.

<<  <  ج: ص:  >  >>