للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على ما خرَّجه الترمذي من حديث ابن عباس مرفوعًا: (الشريك شفيع، والشفعة في كل شيء) (١). وروى الطحاوي نحوه مرفوعًا، ومُتمسِّكًا في ذلك بقياس غير العقار عليه، بعلِّة وجود الاشتراك، ولا حجة في ذلك؛ لأن الحديث ليس بصحيح الإسناد. وإنما صحيحه مرسل، ولو سلمنا صحته، لكنه مقيّد بما ذكرناه من قوله: (ربعة، أو حائط، أو أرض). ومثل هذا التقييد متفق على قبوله عند أهل الأصول؛ لأنه قد اتفق فيه الموجب والموجب، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الشفعة فيما لم يقسم: ربعة، أو حائط، أو أرض). فأتى بـ (إنَّما) التي هي للحصر. وهو أيضًا مفهوم من الألف واللام في قوله: (الشفعة فيما لم يقسم) وبدليل: زيادة البخاري في هذا الحديث: (فإذا ضربت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة) (٢) وهذا نصٌّ في أن الشفعة مخصوصة بما ذكر في ذلك الحديث. وأما ذلك القياس: فليس بصحيح لوجود الفرق بين الفرع والأصل، فإن الأصل الذي هو العقار يعظم الضرر فيه على الشريك بمشاركة الأجنبي له، ومخالطته، فقد يؤذيه، ولا يقدر على التخلص منه لصعوبة بيع العقار، وتعذر ذلك في أكثر الأوقات، وليست كذلك العروض، وما ينقل ويحوَّل، فإن الانفصال عن الشركة فيه يسير لسهولة بيعها، والخروج عنها في كل الأوقات، وأكثر الحالات؛ فانفصلا، فلا يصح القياس. وإذا ثبت: أن الشفعة شرعت لرفع الضرر الكثير اللازم. فهل الوصفان جزءا علَّة، فلا تجري الشفعة إلا فيما اجتمعا فيه، أو يكون كل واحد منهما علّة مستقلة؟ فيه احتمال. وعليه ينبني الخلاف الذي عند أصحابنا في الشفعة في الثمرة، والدِّيون، وكتابة المكاتب، والكراء، والمساقاة. فإن الضرر فيها يعظم، وإن لم يلازم. فمن رأى أنه علَّة مستقلة أوجب الشفعة، ومن رأى أن العلَّة مجموع الوصفين منعها في ذلك


(١) رواه الترمذي (١٣٧١).
(٢) رواه البخاري (٢٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>