للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لَا، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ،

ــ

القاضي عياض: أجمع العلماء: على أن من مات وله ورثة فليس له أن يوصي بجميع ماله إلا شيئًا روي عن بعض السَّلف، أجمع الناس بعده على خلافه. والجمهور: على أنه لا يوصي بجميع ماله (١)، وإن لم يكن له وارث. وذهب أبو حنيفة، وأصحابه، وإسحاق، وأحمد، ومالك - في أحد قوليهما - إلى جواز ذلك. وروي عن علي، وابن مسعود. وسبب هذا الخلاف: الخلاف في بيت المال هل هو وارث، أو حافظ لما يجعل فيه.

وفيه دليل: على أن المريض محجور عليه في ماله (١). وهو مذهب الجمهور. وشذَّ أهل الظاهر، فقالوا: لا يحجر عليه في ماله وهو كالصحيح. وظاهر هذا: الحديث، والنظر، والمعنى: حجة عليهم.

ومنع أهل الظاهر الوصية بأكثر من الثلث وإن أجازها الورثة. وأجاز ذلك الكافة إذا أجازها الورثة. وهو الصحيح؛ لأن المريض إنما منع من الوصية بزيادة على الثلث لحق الوارث، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء خيرٌ من أن تذرهم عالة) فإذا أسقط الورثة حقهم كان ذلك جائزًا وصحيحًا.

و(قوله: الثلث، والثلث كثير) وروي: (الثلث) الأول بالرفع على الابتداء، وإضمار الخبر؛ أي: الثلث كافيك. وقيل: يجوز على أن يكون فاعلًا لفعل مضمر.

قلت: وفيه ضعف؛ لأنه لا يكون ذلك إلا بعد أن يكون في صدر الكلام ما يدل على الفعل دلالة واضحة، كقوله تعالى: {وَإِن أَحَدٌ مِنَ المُشرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرهُ حَتَّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ}، على خلاف بين الكوفيين والبصريين. فالبصريون يرفعونه بالفعل. والكوفيون بالابتداء. وروي بالنصب على أن يكون


(١) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

<<  <  ج: ص:  >  >>