للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حَتَّى اللُّقمَةُ تَجعَلُهَا فِي فِيِّ امرَأَتِكَ.

ــ

والمعنيان صحيحان. يبقى أن يقال: فهل إذا أنفق نفقةً واجبةً على الزوجة، أو الولد الفقير، ولم يقصد التقرب؛ هل تبرأ ذمته، أم لا؟ فالجواب: أنها تبرأ ذمته من المطالبة؛ لأن وجوب النفقة من العبادات المعقولة المعنى، فتجري بغير نيَّة، كالدِّيون، وأداء الأمانات، وغيرها من العبادات المصلحية، لكن إذا لم ينو لم يحصل له أجر. وقد قرَّرنا هذا في أصول الفقه. ويفهم منه بحكم عمومه: أن من أنفق نفقة مباحة، وصحَّت له فيها نيَّةُ التَّقرب أثيب عليها، كمن يطعم ولده لذيذ الأطعمة ولطيفها ليردَّ (١) شهوته، ويمنعه من التشوُّف لما يراه بيد الغير من ذلك النوع، وليرق طبعه، فيحسن فهمه، ويقوى حفظه، إلى غير ذلك مما يقصده الفضلاء.

و(قوله: حتى اللقمة تضعها (٢) في فِي امرأتك) يجوز في (اللقمة) النصب على عطفها على (نفقة). وأظهر من ذلك أن تنصبها بإضمار فعل؛ لأن الفعل قد اشتغل عنها بضميره. وهذا كقول العرب: أكلتُ السمكةَ حتى رأسها أكلته. وقد أجاز في (رأسها) الرفع، والنصب، والجر، وأوضح هذه الأوجه: النصب. وأبعدها الخفض. وكل ذلك جائز في (حتى اللقمة) ها هنا فَنَزِّلهُ عليه. والذي به قرأت هذا الحرف: النصب لا غير. وإنما خصَّ الزوجة بالذِّكر لأن نفقتها دائمة، تعودُ منفعتُها إلى المنفق، فإنها تحسنها في بدنها، ولباسها، وغير ذلك. فالغالب من الناس: أنه ينفق على زوجته لقضاء وطره، وتحصيل شهوته، وليس كذلك النفقة على الأبوين، فإنها تخرج بمحض الكلفة، والمشقة غالبًا، فكانت نية التقرُّب فيها أقرب وأظهر. والنفقة على الولد فيها شبه من نفقة الزوجة، ومن نفقة الأبوين، من حيث المحبة الطبيعية، والكلفة الوجودية.


(١) في (ع): ليبرِّدَ.
(٢) كذا في جميع النسخ، وفي التلخيص: "تجعلُها".

<<  <  ج: ص:  >  >>