وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لسعد هذا الكلام في هذا الموطن تنبيها على الفوائد التي تحصلُ بسبب المال، فإنه إن مات أُثيب على ترك ورثته أغنياء من حيث إنه وصل رحمهم، وأعانهم بماله على طاعة الله تعالى، كما قال:(إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة) أي: ذلك أفضل من صدقتك بمالك، وإن لم تمت حصل لك أجر النفقات الواجبة والمندوب إليها. ويخرج من هذا الحديث: أن كسب المال وصرفه على هذه الوجوه أفضل من ترك الكسب، أو من الخروج عنه جملة واحدة. وكل هذا: إذا كان الكسب من الحلال الخلي عن الشبهات؛ الذي قد تعذَّر الوصول إليه في هذه الأوقات.
و(قوله: أَأُخلَّفُ بعد أصحابي؟ ) هذا الاستفهام إنما صدر عن سعد مخافة أن يكون مقامه بمكة بعد أصحابه إلى أن يموت بها قادحًا في هجرته، كما قد نصَّ عليه في الرواية الأخرى؛ إذ قال فيها:(لقد خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها). فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي: أن ذلك لا يكون، وأنه يطول عمره إلى أن ينتفع به قومٌ، ويستضرُّ به آخرون. وقد كان ذلك. فإنه عاش بعد ذلك نيفًا وأربعين سنة، وولي بالعراق أميرًا، وفتحها الله تعالى على يديه، فأسلم على يديه بشرٌ كثير، فانتفعوا به، وقتل وأسر من الكفار خلقًا كثيرًا، فاستضروا به، فكان ذلك القول من أعلام نبوَّته، وأدلَّة صدق رسالته.
و(قوله: اللهم! أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم) يقتضي أن تبقى عليهم حال هجرتهم وأحكامها. ويفيد: أن استصحاب أحكامها كان واجبا على من هاجر، فيحرم عليه الرجوع إلى وطنه، وترك المدينة إلى أن