للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يموت بها، وإن كان قد ارتفع حكم وجوب أصلها عمن لم يهاجر يوم الفتح، حيث قال: (لا هجرة بعد الفتح) (١) وقال: (إن الهجرة قد مضت لأهلها) (٢) أي: من كان هاجر قبل الفتح صحَّت له هجرته، ولزمه البقاء عليها إلى الموت. ومن لم يكن هاجر سقط ذلك عنه. ومن نقض الهجرة خاف المهاجرون، حيث تحرَّجوا من مقامهم بمكة في حجة الوداع. وهذا هو الذي خاف منه سعد. فإن قضيته هذه كانت في حجة الوداع. وهذا هو الذي نقمه الحجَّاجُ على ابن الأكوع (٣) لما ترك المدينة ولزم الربذة فقال: تغربت يا ابن الأكوع (٣)؟ ! فأجابه: بأن قال له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو. وهذا هو الظاهر من جملة ما ذكرناه من هذه الأحاديث. وبه قال بعض أهل العلم. وهو الذي يدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: (لكن البائسُ سعدُ بن خولة) رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة، وسيأتي الكلام عليه.

وقال آخرون: إن وجوب الهجرة؛ ووجوب استدامة حكمها؛ قد ارتفع يوم الفتح، وإنما لزم المهاجرون المقام بالمدينة بعد الهجرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنصرته، ولأخذ شريعته، ومشافهته، وللكون معه اغتنامًا لبركته. ثم لما مات: فمنهم من أقام بالمدينة، وأكثرهم ارتحل عنها. ولما فتحت الأمصار استوطنوها، وتركوا سكنى المدينة. فاستوطن الشام قوم منهم، واستوطن آخرون العراق، وآخرون مصر.


(١) رواه أحمد (١/ ٢٢٦)، والبخاري (٢٨٢٥)، ومسلم (١٣٥٣).
(٢) رواه البخاري (٤٣٠٧)، ومسلم (١٨٦٣) (٨٣).
(٣) في (ع) و (ل ١): يا أبا ذر، والمثبت من (ج ٢) وجاء في حاشية (ل ١) بخط ابن فرح على نسخته: صوابه: في سلمة بن الأكوع، وقد ذكره الشيخ فبم الصواب فيما تقدم في باب لا هجرة بعد الفتح، وأمَّا أبو ذرّ فلم يدركه الحجَّاج، فإنَّ أبا ذرّ مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان، والحجاج قد تولى لعبد الملك جيشه في السبعين، فتأمله تجده سبق خاطرٍ وقلمٍ. انظر باب: لا هجرة بعد الفتح في كتاب الإمارة والبيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>