رواه أحمد (١/ ١٧٩)، والبخاري (٦٧٣٣)، ومسلم (١٦٢٨)(٥)، والترمذي (٢١١٦)، والنسائي (٦/ ٢٤١)، وابن ماجه (٢٧٠٨).
ــ
وتأول أهل هذا القول ما تقدَّم: بأن ذلك إنما كان منهم مخافة أن تنقص أجورهم في هجرتهم متى زالوا عن شيء من أحكامها، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بألا يُنقِصَهم شيئًا من ذلك. وللأولين أن ينفصلوا عن هذا، بأن يقولوا: إنما استوطنوا تلك الأمصار للجهاد وفتح البلاد، وإظهار الدين، ونشر العلم، حتى أنفذوا في ذلك أعمارهم، ولما يقضوا من ذلك أوطارهم.
و(قوله: لكن البائس سعد بن خولة) البائس: اسم فاعل من بئس، يبأس: إذا أصابه بؤسٌ، وهو الضرر. وسعد بن خولة: هو زوج سبيعة الأسلمية، وهو رجل من بني عامر بن لؤي، من أنفسهم. وقيل: حليفٌ لهم. وقيل: إنه مولى أبي رُهم بن عبد العزى العامري.
واختلف في أمره؛ فقال ابن مزين، وعيسى بن دينار: إنه لم يهاجر من مكة حتى مات فيها. والأكثر على أنَّه هاجر ثم رجع إلى مكة مختارًا. وعلى هذين القولين يكون بؤسُه ذمًّا له؛ إما لعدم هجرته، وإما لفسخها (١) برجوعه عنها. وقال ابن هشام: إنَّه هاجر الهجرة إلى الحبشة، والهجرة الثانية، وشهد بدرًا، وغيرها، وتوفي بمكة في حجة الوداع. وعلى هذا فلا يكون بؤسه ذمًّا له، بل توجُّعًا له ورحمة؛ إذ كان منه: أنه هاجر الهجرتين، ثم إنَّه مات بعد ذلك بمكة، فيكون إشعارًا بما قدَّمناه من نقص ثواب من اتفق له ذلك. ومن ذلك تحرَّج سعد، والمهاجرون. والله تعالى أعلم.
وظاهر هذا القول: أنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال المحدِّثون: انتهى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (لكن البائس سعد بن خولة) وأما قوله بعد ذلك: رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توفي بمكة؛